الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمَا، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُ لَا تَقَعُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَضَاءَ دَيْنِ نَفْسِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ مَلَكَ بِطَرِيقِ الرَّهْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ نَظِيرُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْمُبَادَلَةِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ لِلْأَبِ أَوْ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ وَأُقِيمَتْ عِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ كَمَا فِي بَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي الرَّهْنِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ فِي الْأَبِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ فَإِنَّ شَفَقَتَهُ قَاصِرَةٌ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالرَّهْنُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَمِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَأَبِيهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ حَيْثُ يَجُوزُ رَهْنُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ
وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ بِتِجَارَةٍ بَاشَرَهَا أَوْ رَهَنَ لِلْيَتِيمِ بِدَيْنٍ لَزِمَهُ بِالتِّجَارَةِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلَحَ لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ، فَأَدْرَكَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ، فَلَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ عَلَيْهِ نَافِذٌ لَازِمٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَرَهَنَ بِهِ مَالَ الصَّغِيرِ فَقَضَاهُ الِابْنُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَعَ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ فَأَشْبَهَ مُعِيرَ الرَّهْنِ
وَكَذَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَصِيرُ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ وَبِدَيْنٍ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ ثُمَّ حُكْمُهُ فِي حِصَّةِ دَيْنِ الْأَبِ كَحُكْمِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ كُلُّهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْأَبِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَالْجَدُّ أَبُ الْأَبِ وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعَارَ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ، فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ بِالِاسْتِرْدَادِ، وَالْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِهِ عَلَى مَا كَانَ وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا رَهَنَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِالضَّمَانِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ
فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِالدَّيْنِ يَقْضِي مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ فَإِذَا حَلَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ) يَعْنِي ارْتَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَهُ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ أَحَدِ ابْنَيْهِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا دَيْنٌ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ أَحَدِ الِابْنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا بِعْتُ عَبْدَ ابْنِي فُلَانٍ مِنْ ابْنِي فُلَانٍ، أَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ لِلْأَبِ وَلَا دَيْنَ عَلَى الْعَبْدِ بِأَنْ اشْتَرَى الْأَبُ مَتَاعَ عَبْدِهِ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَصَارَ لِلْعَبْدِ دَيْنٌ عَلَى الصَّغِيرِ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِهِ عِنْدَ الْأَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ فَعَلَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ لَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ لِلْوَصِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ الْيَتِيمِ أَوْ ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ عَبْدِ الْوَصِيِّ التَّاجِرِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ عَيْنًا لِلْوَصِيِّ بِدَيْنٍ لِلْيَتِيمِ عَلَى الْوَصِيِّ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَلَا مِنْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مِنْهُمَا كَالرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ رَهَنَ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَاقِدًا مِنْ جَانِبَيْنِ فِي عُقُودٍ تَتَضَمَّنُ عُقُودًا مُتَبَايِنَةً، وَهَذَا هَكَذَا وَلَوْ رَهَنَ مِنْ ابْنٍ لَهُ كَبِيرٍ أَوْ رَهَنَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ عَبْدٍ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَيْسَ كَالْعَقْدِ مِنْ نَفْسِهِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ مِنْ هَؤُلَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِمَكَانِ التُّهْمَةِ حَتَّى لَوْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ بِأَنْ بِيعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ وَلَا تَدْخُلُ التُّهْمَةُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَكَانَ الْعَقْدُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ سَوَاءً فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ تُهْمَةٌ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. غَايَةٌ مَعَ تَغْيِيرٍ فِي بَعْضِ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ، وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ إلَخْ)، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ رَهْنَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَهَنَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ أَوْ بِدَيْنِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا رَهَنَ مَتَاعَ الصَّغِيرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إذَا هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ جَائِزَيْنِ) رَهْنِ الْأَبِ مَتَاعَ الصَّغِيرِ بِدَيْنٍ وَبِدَيْنِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ) إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ أَوْ وَصِيُّ الْأَبِ اهـ هِدَايَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute