للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَنَّهُ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّغِيرِ ضَمِنَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي حَاجَةِ الصَّغِيرِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِغَصْبِ مَالِ الصَّغِيرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَصْبُهُ لِمَالِ الْيَتِيمِ لِمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْأَخْذِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَيَأْخُذُهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ قَدْ حَلَّ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بَلْ هُوَ عَامِلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ يَأْخُذُهُ بِهِ، وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) وَالْمُرَادُ بِالْحَجَرَيْنِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَإِنَّمَا جَازَ رَهْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهَا فَكَانَتْ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا وَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْجَوْدَةِ)؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَهُ إذَا هَلَكَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ قَلَّتْ قِيمَتُهُ أَوْ كَثُرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ وَزْنِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إلْحَاقُ ضَرَرٍ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِيَنْتَقِضَ قَبْضُ الرَّهْنِ ثُمَّ يَجْعَلُ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْهَالِكَ بِالضَّمَانِ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْوَزْنَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ صِفَتِهِ مِنْ جَوْدَةٍ أَوْ رَدَاءَةٍ وَأَسْقَطْنَا الْقِيمَةَ فِيهِ أَضْرَرْنَا بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ وَجَعَلْنَاهُ مُسْتَوْفِيًا بِاعْتِبَارِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْحَبْسِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ وَاسْتِيفَاءُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ أَوْ بِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ هُنَا؛ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ بِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ، فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ

وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ ثُمَّ عَلِمَ بِالزِّيَافَةِ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا فِيهَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَفِي هَذِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ قَاضِيخَانْ: إنَّ الْبِنَاءَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ قَالَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَآخِرًا كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَئِنْ كَانَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الزُّيُوفَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وَقَدْ تَمَّ بِهَلَاكِهِ وَالرَّهْنُ قَبَضَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْضِ الْقَبْضِ وَقَدْ أَمْكَنَ بِالتَّضْمِينِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ دُونَ الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ أَصْلٌ وَالْجَوْدَةَ وَصْفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْوَصَايَا وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَصُوغًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَضْمَنُ حِصَّةَ الْأَمَانَةِ إنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً، وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ بِقَدْرِ مَا ضَمِنَ وَخَرَجَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا، وَجُعِلَ الضَّمَانُ رَهْنًا مَكَانَهُ

وَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ أَنْ يَفْتَكَّ الْمُنْكَسِرَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ لِلْوَزْنِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَلَا تُجْعَلُ تَبَعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الرِّبَا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَصَايَا، وَفِي مَالِ الصَّغِيرِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْجَوْدَةِ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَقِيمَتُهُ أَنْقَصُ مِنْهُ، فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْجَوْدَةُ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَيْنٌ فَتَنْضَمُّ إلَى الْوَزْنِ فَبِقَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَجْمُوعِ صَارَ مَضْمُونًا وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ، ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ الرِّبَا فَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ الْمَضْمُونَ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجُعِلَ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الرَّهْنَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الرَّهْنِ كُلَّهَا إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا

وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً يُضَمِّنُهُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّهْنِ بِحِسَابِهِ وَتَكُونُ الْأَمَانَةُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ مَعَ الضَّمَانِ وَتُفْصَلُ الْأَمَانَةُ مِنْهُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُنْكَسِرَ بِالدَّيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ إلَخْ) فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إضْرَارًا بِالرَّاهِنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ إضْرَارٌ بِالْمُرْتَهِنِ فِي اعْتِبَارِ وَزْنِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بِهِ) هَذَا وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَقَدْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْضِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ) وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَتَعَذَّرَ التَّضْمِينُ بِتَعَذُّرِ النَّقْضِ)؛ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْقَضُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قَبَضَ الرَّهْنَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِالْهَلَاكِ فَقَدْ رَضِيَ بِوُقُوعِهِ اسْتِيفَاءً بِدُونِ صِفَةِ الْجَوْدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذِهِ فُرَيْعَةُ مَا إذَا اسْتَوْفَى زُيُوفًا مَكَانَ الْجِيَادِ) أَيْ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَهَلَكَتْ الزُّيُوفُ عِنْدَهُ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِيفَاءِ الزُّيُوفِ مَكَانَ الْجِيَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَبَضَهُ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ) أَيْ مِنْ عَيْنِهَا وَالزِّيَافَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِيفَاءِ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ) وَالْبَاقِي مِنْ الْمُنْكَسِرِ الَّذِي لَمْ يُضْمَنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ وَيُفْصَلُ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

اهـ. ك كَقَوْلِهِ كَيْ لَا يَلْزَمَ رَهْنُ الْمَشَاعِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>