وَالْأَصْلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجَوْدَةَ وَالصِّيَاغَةَ تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ الْوَزْنُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ إذَا لَاقَتْ جِنْسَهَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَضْمُونَاتِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي الْوَزْنِ وَقِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ يُصْرَفُ الدَّيْنُ إلَى الْوَزْنِ وَالْأَمَانَةُ إلَى الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَزْنِ وَفَاءٌ وَفِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِهِ صُرِفَ مِنْ قِيمَتِهِ إلَى الْوَزْنِ إلَى تَمَامِ الدَّيْنِ فَيُجْعَلُ مَضْمُونًا وَالزَّائِدُ أَمَانَةٌ ثُمَّ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا إلَى الرِّبَا، فَإِنْ أَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَيَمْلِكُ الْمَضْمُونَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ الِانْكِسَارِ كَانَ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ إلَى الرِّبَا فَيَعْتَبِرُ حَالَةَ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ ثُمَّ جِنْسُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ، وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَقِسْمٌ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَكُلُّ قِسْمٍ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إلَى حَالَةِ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَإِلَى حَالَةِ انْكِسَارِهِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ الْآخَرَيْنِ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَصَارَ الْكُلُّ سِتَّةً وَعِشْرِينَ قِسْمًا.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ رَهَنَ قَلْبَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ هَلَكَ بِالدَّيْنِ اتِّفَاقًا اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ أَوْ لِعَدَمِ الضَّرَرِ بِأَحَدٍ، وَإِنْ انْكَسَرَ فَعِنْدَهُمَا إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَجَعَلَهُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ ضَرَرًا بِالْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَمَلَكَ الْمَضْمُونَ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ فَهَلَكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِالْإِجْمَاعِ اعْتِبَارًا لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ وَصَرْفًا لِلْأَمَانَةِ إلَى الْجَوْدَةِ وَالْمَضْمُونِ إلَى الْوَزْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ الضَّمَانَ وَالْأَمَانَةَ إلَى الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ لَكِنْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُمَا وَالْبَاقِي مِنْهُمَا أَمَانَةٌ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ وَزْنَهُ كُلَّهُ مَضْمُونٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ وَجَعَلَ الضَّمَانَ رَهْنًا وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ حَتَّى إذَا كَانَ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ضَمِنَ ثُلُثَيْهِ عَشَرَةً فَيَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ ثُلُثَيْ الْعَيْنِ وَثُلُثُ الْعَيْنِ أَمَانَةٌ يَكُونُ رَهْنًا مَعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَكُلُّ قِسْمٍ إلَخْ) فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ سِتَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِثْلَ وَزْنِ الدَّيْنِ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ وَحَالَةَ انْكِسَارِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ إلَخْ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ سِتَّةً مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْقَسِمُ كُلُّ قِسْمٍ إلَخْ) فَصَارَتْ أَقْسَامُ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ عِشْرِينَ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةٍ هِيَ مَا إذَا كَانَ وَزْنُ الرَّهْنِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ حَالَةَ هَلَاكِ الرَّهْنِ أَوْ انْكِسَارِهِ فِي خَمْسَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ) أَيْ نَاقِصًا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَمَلَكَ الْمُرْتَهِنُ الْمُنْكَسِرَ) أَيْ بِالضَّمَانِ وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ؛ لِأَنَّهُ إنْ ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِذَهَابِ الْجَوْدَةِ يَصِيرُ قَابِضًا دَيْنَهُ بِالْجَوْدَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْفِكَاكَ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْهَبَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ مَعَ النُّقْصَانِ حَقِيقَةً لَتَضَرَّرَ الرَّاهِنُ لِفَوَاتِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ فَخَيَّرْنَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ) أَيْ نَاقِصًا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ) فَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ. لَهُ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ هَلَكَ فَكَذَا إذَا انْكَسَرَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْفِكَاكُ مَجَّانًا لِمَا بَيَّنَّا صَارَ فِي مَعْنَى الْهَالِكِ فَيُعْتَبَرُ بِالْهَالِكِ الْحَقِيقِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ صَارَ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وَجْهٍ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً بِضَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قُلْنَا طَرِيقُ صَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ اسْتِيفَاءٍ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُجْعَلَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ مَا لَهُ وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ فَكَذَا فِي الِاسْتِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ وَجَعْلُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فِي حَالِ قِيَامِهِ يُؤَدِّي إلَى إغْلَاقِ الرَّهْنِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ فِي الشَّرْعِ فَصِرْنَا إلَى التَّضْمِينِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِغْلَاقِ لِانْتِقَالِ حُكْمِ الرَّهْنِ إلَى مِثْلِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَضَرَّرُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ حَقِّهِ اهـ
(قَوْلُهُ، وَإِنْ انْكَسَرَ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي حَالَةِ الِانْكِسَارِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ لَا لِلْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ كُلِّهِ مَضْمُونًا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَبَعْضُهُ وَجَمِيعُ الْوَزْنِ مَضْمُونٌ فَتَتْبَعُهُ الْجَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلذَّاتِ وَمَتَى صَارَ الذَّاتُ مَضْمُونًا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ التَّبَعَ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ عَشَرَةً وَالْوَزْنُ كَذَلِكَ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute