للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَنِينِهَا بِغُرَّةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا» هَكَذَا رَوَوْهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَوَرِثَهَا وَلَدُهَا فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ»، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ.

فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِحَّ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ أَنْ يُوَالِيَ عَلَيْهِ ضَرَبَاتٍ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُوَالَاةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ عَمْدًا بِهَا فَيُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مِنْ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ غُرْفَةٍ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ حَتَّى مَاتَ كُلُّ ذَلِكَ شِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ، وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا يُشْبِهُ الْعَمْدَ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مُحَرَّمَ دِينِهِ قَاصِدًا لَهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ عَلَى الْخَطَأِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِيضَاحِ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ الْإِثْمَ كَامِلٌ مُتَنَاهٍ وَتَنَاهَيْهِ يَمْنَعُ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ وَجَوَابُهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنْ نَقُولَ إنَّهُ آثِمٌ إثْمَ الضَّرْبِ.

؛ لِأَنَّهُ قَصَدَهُ لَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ وَلَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالضَّرْبِ بِدُونِ الْقَتْلِ وَبِعَكْسِهِ تَجِبُ فَكَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا يُضَافُ الْوُجُوبُ إلَى الْقَتْلِ دُونَ الضَّرْبِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ بِهِ، فَلِمَا رَوَيْنَا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَلِهَذَا أَوْجَبَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ كَالْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمُجَازَاةِ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْفِعْلِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَصِفَةِ التَّغْلِيظِ فِي الدِّيَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَطَأُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَة) أَيْ مُوجَبُ قَتْلِ الْخَطَأِ وَمُوجَبُ مَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَوْلُهُ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخَصًا إلَخْ تَفْسِيرٌ لِنَفْسِ الْخَطَأِ، فَإِنَّهُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَطَأٌ فِي الْقَصْدِ وَخَطَأٌ فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ تَفْسِيرٌ لِلْخَطَأِ فِي الْقَصْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا قَصَدَ رَمْيَهُ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْحَرْبِيَّ مُسْلِمًا وَالْآدَمِيَّ صَيْدًا، وَقَوْلُهُ أَوْ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا أَيْ أَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْخَطَأِ فِي الْفِعْلِ دُونَ الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا إذَا اخْتَلَفَ الْمَحَلُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَمْ يَخْتَلِفْ لِوُجُودِ قَصْدِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَالْقَتْلِ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مِنْهُ كَمَحَلِّ وَاحِدٍ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ، وَإِنَّمَا صَارَ الْخَطَأُ نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَيَتَحَمَّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَطَأَ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا ذَكَرَ أَوْ عَلَى الِاجْتِمَاعِ بِأَنْ رَمَى آدَمِيًّا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ، وَقَوْلُهُ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ بَيَانٌ لِمَا جَرَى مَجْرَى الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ مَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَقَدْ قَضَى بِهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَصَارَ إجْمَاعًا وَقَدْرُ الدِّيَةِ وَصِفَتُهَا وَمَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَا لَا يَجُوزُ نَذْكُرُهُ فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَتْلِ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إثْمَ تَرْكِ التَّحَرُّزِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثَبُّتِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُبَاحَةَ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَتُهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا فَإِذَا آذَى أَحَدًا فَقَدْ تَحَقَّقَ تَرْكُ التَّحَرُّزِ فَيَأْثَمُ وَلَفْظَةُ الْكَفَّارَةِ تُنْبِئ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا سِتَارَةٌ وَلَا سِتْرَ بِدُونِ الْإِثْمِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَحَافِرِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَوْ غَرَّقَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ خَنَقَهُ) سَيَأْتِي حُكْمُ الْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ فِي الْمَتْنِ فِي الْبَابِ الْآتِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُقْتَلُ غَالِبًا يَجِب الْقِصَاصُ وَيَكُونُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَلُ غَالِبًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَيَكُونُ خَطَأَ الْعَمْدِ اهـ.

(فَرْعٌ) فِي مَسْأَلَةِ السُّمِّ وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا حَتَّى مَاتَ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ السُّمَّ حَتَّى أَكَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَمَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ وَيُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ، وَلَوْ أَوْجَرَهُ إيجَارًا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ فِي شُرْبِهِ فَشَرِبَ وَمَاتَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ خُدْعَةٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ. اهـ. قَاضِيخَانْ وَفِي الْمُجَرَّدِ لَوْ قَمَطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَرَسَبَ وَغَرِقَ كَمَا أَلْقَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَرِقَ بِعَجْزِهِ وَفِي الْأَوَّلِ بِطَرْحِهِ فِي الْمَاءِ اهـ قَاضِيخَانْ قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ أَيْ وَيَرِثُهُ. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَطَأِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ مَحْظُورًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ بِالضَّرْبِ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ إلَخْ) فِي الذَّخِيرَةِ قَصَدَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَهُوَ عَمْدٌ، وَفِيهِ الْقَوَدُ، وَلَوْ أَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ فَهُوَ خَطَأٌ قَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَصْدَ الْقَتْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ عَمْدًا. اهـ. كَاكِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>