بِهِمَا فَمُحَالٌ أَنْ يُرِيدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَافِرِ الذِّمِّيَّ ثُمَّ يُشِيرُ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى قَتْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالذِّمِّيِّ وَعَلِيٌّ فِيهِمْ، وَهُوَ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرْبِيُّ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّ عُثْمَانَ أَرَادَ قَتْلَهُ بِبِنْتِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ لَا بِجُفَيْنَةَ وَالْهُرْمُزَانِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِهَا لَا بِهِمَا لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَبْعَدَهُمَا اللَّهُ فَمُحَالٌ أَنْ لَا يُبَيِّنَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا تُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ وقَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: ٢٠] أَيْ فِي الْفَوْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: ٢٠] وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَا عُمُومَ لَهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: ١٩] أَنَّ الْمَنْفِيَّ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعَمَى وَالْبَصَرِ لَا فِي كُلِّ وَصْفٌ؛ وَلِهَذَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْعِصْمَةِ وَكَذَا نُقْصَانُ حَالِ الْكَافِرِ بِكُفْرِهِ لَا يُزِيلُ عِصْمَتَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَسَائِرِ الْأَوْصَافِ النَّاقِصَةِ كَالْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُفْرَهُ مُبِيحٌ لِلْقَتْلِ بَلْ حِرَابُهُ هُوَ الْمُبِيحُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمِلْكِ فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، فَإِنَّهُ مُبِيحٌ لِلْوَطْءِ.
وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْأُخْتِ الْمَذْكُورَةِ بِعَارِضٍ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِحَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَانْعَدَمَتْ الْمُسَاوَاةُ وَكَذَا كُفْرُهُ بَاعِثٌ عَلَى الْحِرَابِ لِقَصْدِهِ الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمِنُ بِالْمُسْتَأْمِنِ قِيَاسًا لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُبِيحِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَبِالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) يَعْنِي يُقْتَلُ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ بِهَؤُلَاءِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُقْتَلُ الْحَرُّ بِالْحُرِّ إلَخْ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ، وَإِنَّمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهَا هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَاوَاةُ فِيمَا وَرَاءَهَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَلَظَهَرَ الْفِتَنُ وَالتَّفَانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ الْعُمُومَاتِ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ»؛ وَلِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ غَالِبًا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ وَلِهَذَا لَا يَقْتُلُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا، وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ خِلَافُهُ، وَلَوْ قُتِلَ بِهِ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الِابْنَ بِنَائِبَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَبِ) سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُمْ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَبِ يَكُونُ وَارِدًا فِيهِمْ دَلَالَةً، فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ شَامِلَةً لِلْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْقَتْلِ وَقَالَ مَالِكٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ تَأْدِيبَهُ وَإِنْ ذَبَحَهُ ذَبْحًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلٌ بَلْ جِنَايَةُ الْأَبِ أَغْلَظُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحِمِ فَصَارَ كَمَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ حَيْثُ يُحَدُّ كَمَنْ زَنَى بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ هَذَا كَالزِّنَا بِبِنْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ يَتَجَنَّبُ مَا يَضُرُّ وَلَدَهُ بَلْ يَتَحَمَّلُ الضَّرَرَ عَنْهُ حَتَّى يَسْلَمَ وَلَدُهُ فَهَذَا هُوَ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَقْصِدُ قَتْلَ وَلَدِهِ فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا كَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ غَالِبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يُتَّفَقُ لِبَعْضِهِمْ فِيهِ مِنْ الرَّاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ الزِّنَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ وَبِعَبْدِ وَلَدِهِ وَبِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ) لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةٌ وَكَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ لِأَجَلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَحْقُونٍ عَلَى التَّأْبِيدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّةَ إذَا مَضَتْ أَخْرَجْنَاهُ وَلَا نُمَكِّنُهُ مِنْ الْمَقَامِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ صَارَ مُبَاحَ الدَّمِ وَالْمُسْلِمُ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ التَّسَاوِي فِي حَقْنِ الدَّمِ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا جَدٌّ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَلَا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ، وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا جَدَّةٌ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَلَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ عَلَتْ أَوْ سَفَلَتْ، وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَقَتْلُ الْوَلَدِ بِالْوَالِدِ إجْمَاعٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: مَنْ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثَ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَرِثُ مِنْ وَالِدَيْهِ وَلَا مِنْ مَالِ ابْنِهِ شَيْئًا وَيَرِثُ أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْ الِابْنِ بَعْدَ الْأَبِ وَلَا يَحْجُبُ الْأَبُ عَنْ الْمِيرَاثِ أَحَدًا وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْآثَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَارْجِعْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إلَخْ اهـ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَا وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا بِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَمْ يَقْتَصُّوا مِنْهُ لَوْ ذَبَحَهُ وَنُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا فِي الْحَالِ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي الدِّيَاتِ مَا نَصُّهُ وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَبِمُكَاتَبِهِ)، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ فَمِلْكُهُ بَاقٍ فِيهِ فَصَارَ كَالْعَبْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزِّي) أَيْ كَالدَّمِ إذَا كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا. اهـ.