للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِيهِ سَقَطَ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَبِيهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَخ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا قَتَلَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ لِابْنِهِ مِنْهَا أَنْ يَقْتُلَهُ فَيَسْقُطُ الْقِصَاص

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ بِالسَّيْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَرَّةِ إنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ ثُمَّ إنْ مَاتَ بِذَلِكَ فَبِهَا، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ حَزَّ رَقَبَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَلِهَذَا سُمِّيَ قِصَاصًا، وَإِنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَاللِّوَاطِ وَسَقْيِ الْخَمْرِ اخْتَلَفَتْ مَشَايِخُهُمْ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُتَّخَذُ لَهُ مِثْلُ آلَتِهِ مِنْ الْخَشَبِ فِي اللِّوَاطَةِ وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ وَيُسْقَى الْمَاءَ فِي سَقْيِ الْخَمْرِ وَيُمْهَلُ قَدْرُ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا حَزَّ رَقَبَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْمُمَاثَلَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ الْقَتْلِ بِالْحَجَرِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجْمَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ بِالْحَجَرِ وَكَذَا قِتَالُ الْكُفَّارِ وَهُوَ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ.

وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ صَبِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦]؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ الْقِصَاصِ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ الْمُمَاثَلَةِ فَيَجِبُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ ذَاتًا وَوَصْفًا وَلَنَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النُّعْمَانِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ لَا وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إذَا قُتِلَ بِغَيْرِهِ كَالنَّارِ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ وَاجِبٌ فَيُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْمُسْتَحَقَّ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِمَا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَوْتُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ لَا يَمُوتُ إلَّا بِالسِّرَايَةِ.

وَهِيَ مَوْهُومَةٌ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا؛ وَلِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَأَنْ يُرِيحُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ ذَبْحَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ فَمَا ظَنَّك بِالْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُحْتَرَمِ؛ وَلِأَنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُسْتَقَادُ مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى يَبْرَأَ»، وَلَوْ كَانَ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْتِينَاءِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بَرِئَ أَوْ سَرَى فَلَمَّا ثَبَتَ الِاسْتِينَاءُ لِيُنْظَرَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ مَا تَئُولُ إلَيْهِ الْجِنَايَةُ إنْ سَرَتْ صَارَتْ قَتْلًا وَلَا يُعْتَبَرُ الطَّرَفُ مَعَهُ فَيُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ عَنْ النَّفْسِ فَقَطْ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً، فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَى وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فِي الْحَالِ ثُمَّ إذَا سَرَتْ وَمَاتَ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ لِكَوْنِ الْأَطْرَافِ تَبَعًا لَهَا فَهَذَا يَكْشِفُ لَك مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى.

وَمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ كَمَا نُسِخَتْ الْمُثْلَةُ، أَوْ يَكُونُ الْيَهُودِيُّ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُ كَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لِيَكُونَ أَرْدَعَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ قَصْدَ الْيَهُودِيِّ كَانَ أَخْذَ الْمَالِ أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى فِي الْخَبَرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «عَدَا يَهُودِيٌّ عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا» الْحَدِيثَ، وَهَذَا شَأْنُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ يُقْتَلُ بِأَيِّ شَيْءٍ شَاءَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ الْيَهُودِيَّ بِخِلَافِ مَا كَانَ قَتَلَ بِهِ الْجَارِيَةَ فَإِنَّهُ رَوَى أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ رَضَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى قُتِلَ» وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ مَا قُتِلَ إلَّا بِقَوْلِ الْجَارِيَةِ إنَّهُ قَتَلَنِي وَبِمِثْلِهِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا بِالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْمُرَادُ بِمَا تَلَا نَفْيُ الزِّيَادَةِ مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «لَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَئِنْ ظَفِرْت بِهِمْ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ} [النحل: ١٢٦] الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ نَصْبِرُ فَصَبَرَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ» وَهَذِهِ مُثْلَةٌ أَيْضًا، وَهِيَ أَيْضًا مَنْسُوخَةٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مُكَاتَبٌ قُتِلَ عَمْدًا وَتَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثُهُ سَيِّدُهُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ يَقْتَصُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْمَوْلَى فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا قَدْ اخْتَلَفَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>