؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَلَاءِ إنْ مَاتَ حُرًّا وَبِالْمِلْكِ إنْ مَاتَ عَبْدًا فَاشْتَبَهَ الْحَالُ فَلَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ السَّبَبِ كَاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فَيَسْقُطُ أَصْلًا كَمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا وَقَالَ الْمَوْلَى زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ أَيْضًا مُتَّحِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ حُكْمٍ فَلَا يَضُرُّ مُجَرَّدُ اخْتِلَافِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يُرَادُ لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ السَّبَبَيْنِ فَلَا يُدْرَى بِأَيِّهِمَا يُحْكَمُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ السَّبَبِ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرَ الْمَوْلَى؛ فَلِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ لِمَوْتِهِ لَا عَنْ وَفَاءٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَتَلَ عَبْدًا عَمْدًا فَيَكُونُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا قَتَلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْبَعْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَاشْتَبَهَ الْمُسْتَحِقُّ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً كَالْمُكَاتَبِ إذَا قُتِلَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَارِثٌ اشْتِرَاطُ الْوَارِثِ وَقَعَ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَيْضًا الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَوْتِهِ رَقِيقًا، أَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا لَا) أَيْ لَا يُقْتَصُّ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَوْلَى وَالْوَارِثُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ حُرًّا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَالْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ)؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَلِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَكَذَا الرَّاهِنُ لَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ لِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِلَا بَدَلٍ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفًا فَيُؤَدِّيَ إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَجَعَلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ فَلَمْ يَشْتَبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِصَاصُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَضَ فَلِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ لِمَا بَيَّنَّا.
وَإِنْ فَسَخَ فَلَا قِصَاصَ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لَهُ وَوَجَبَتْ لَهُ الْقِيمَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِاشْتِبَاهِ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَيْ إذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَقْتُلَ قِصَاصًا وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى مَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ، أَمَّا الْقَتْلُ فَلِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَكُلُّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى النَّفْسِ وَلِأَبِيهِ وَلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَأَمْثَالِهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يُفْضِي اخْتِلَافُ السَّبَبِ إلَى الْمُنَازَعَةِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا مِنْ قَرْضٍ يَجِبُ الْأَلْفُ عَلَى الْمُقِرِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ تَعَيُّنِ الثَّمَنِ) يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُتَّحِدٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مِلْكِ الْيَمِينِ يُغَايِرُ حُكْمَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ فِي النِّكَاحِ مَقْصُودٌ وَفِي مِلْكِ الْيَمِينِ تَبَعٌ لَا مَقْصُودَ فَلَمَّا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الْحِلُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ بِإِجْمَاعِ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ وَقَعَتْ وَالْمُسْتَحِقُّ الْمَوْلَى لِبَقَاءِ الرِّقِّ وَحَصَلَ الْمَوْتُ وَالْمُسْتَحِقُّ غَيْرُ الْمَوْلَى فَلَمَّا تَغَيَّرَ الْمُسْتَحِقُّ صَارَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَالْقِصَاصُ إلَخْ) فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ أَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَرَادَ بِوَلِيِّ الْمَعْتُوهِ قَرِيبُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ مَثَلًا وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَعْتُوهِ يَكُونُ لَهُ أَبٌ فَيَقْتُلُ رَجُلٌ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا قَالَ لِلْأَبِ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُصَالِحَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَحَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ فِي الْأَبِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يُصَالِحُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ فِي الْبَابَيْنِ جَمِيعًا وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ مَا دُونَهَا وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ فِي الْبَابَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْوَصِيِّ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ.
وَهُوَ صُلْحُهُ فِي النَّفْسِ عَلَى مَالٍ فَقَالَ هَاهُنَا أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَصِحُّ صُلْحُهُ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فَأَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَكَذَلِكَ مِلْكُ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَلِيٌّ أَقْرَبَ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ اهـ قَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَلِلْأَتْقَانِيِّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هُنَا اعْتِرَاضٌ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ اهـ مَا كَتَبَهُ عَلَى هَامِشِ شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute