للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّجَزِّي وَلَا الْكُلُّ لِعَدَمِ الْوَلَايَةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُمْ فَتَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ إلَى إدْرَاكِهِمْ كَمَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ أَوْ كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عَفَا الْكَبِيرُ حَيْثُ يَصِحُّ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَهُ بِعِوَضٍ فَيُجْعَلُ كَلَا بُطْلَانٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجِمٍ حِينَ قَتَلَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قُتِلَ بِهِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوْلَادِ عَلِيٍّ صِغَارٌ وَلَمْ يُنْتَظَرْ بُلُوغُهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كُلًّا كَمَا فِي وَلَايَةِ الْإِنْكَاحِ.

وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ لَضَمِنَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا لِلْبَاقِينَ وَكَذَا لِلصِّغَارِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُمْ كَبِيرٌ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَسْتَوْفِيهِ بَعْضُهُمْ فِيهِ مَعَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِ الْكَبِيرِ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ وَفِي الصِّغَارِ احْتِمَالُ الْعَفْوِ مُنْقَطِعٌ فِي الْحَالِ فَافْتَرَقَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْلَيَيْنِ وَأَحَدُهُمَا صَغِيرٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْمِلْكُ أَوْ الْوَلَاءُ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا السَّبَبُ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مُتَكَامِلَةٌ؛ وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا أَوْ الْمُعْتَقَةَ لَهُمَا وَفِي الْقَرَابَةِ يُزَوِّجُ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ.

وَلَوْ كَانَ الْكَبِيرُ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ مِمَّنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ يَسْتَوْفِيهِ الْكَبِيرُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَلَايَةُ لَهُمَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِالْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا لِلصَّغِيرِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَمْلِكُ الْكَبِيرُ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْكُلِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ يَقْتَصُّ إنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ وَإِلَّا لَا كَالْخَنْقِ وَالتَّغْرِيقِ) هَذَا إذَا أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدَةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا أَوْ بِالْعُودِ أَوْ بِالْخَنْقِ أَوْ بِالتَّغْرِيقِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلَائِلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هُنَاكَ فَلَا نُعِيدُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا وَصَارَ ذَا فِرَاشٍ وَمَاتَ يُقْتَصُّ)؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ أَوْ الْبُرْءِ مِنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ جِنْسٌ آخَرَ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِهِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ هَدَرٌ مُطْلَقًا وَمُعْتَبَرٌ مُطْلَقًا وَهَدَرٌ مِنْ وَجْهِ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةً فَيَجِبُ عَلَى زَيْدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ ثُمَّ إنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ، وَإِنْ بَطَلَ بِذَلِكَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الصَّغِيرِ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ إلَخْ) رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَهُ ابْنُ مُلْجِمٍ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أَمَّا أَنْتَ يَا حَسَنُ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَعْفُوَ فَاعْفُ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْتَصَّ فَاقْتَصَّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِيَّاكَ وَالْمُثْلَةَ فَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ قُتِلَ بِهِ وَفِي وَرَثَةِ عَلِيٍّ صِغَارٌ مِنْهُمْ الْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ الْكَبِيرِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَلِيٍّ يَوْمَئِذٍ صَغِيرٌ فَلَمْ يَسْتَأْنِ بِهِ بُلُوغَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَعَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْكَبِيرِ الِاسْتِيفَاءُ وَعِنْدَهُمَا لَا حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ قُتِلَ وَإِنْ أَصَابَهُ الْعُودُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخَوَاصِّ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَإِنْ أَصَابَهُ بِحَدِّ الْحَدِيدِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِ الْحَدِيدِ فَقَتَلَهُ دَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِوُجُودِ الْقَتْلِ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ سِلَاحٌ كُلُّهُ حِدَّة وَعَرْضُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَهُوَ سِلَاحٌ كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرِيعَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: ٢٥] وَقَالَ تَعَالَى {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: ٢١] وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ إنْ قَتَلَهُ جَرْحًا بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ يَجِبُ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كَانَتْ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِتَخْرِيبِ الْحَيَاةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِصِفَةِ التَّعَمُّدِ، وَإِنْ قَتَلَهُ دَقًّا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْآلَةُ حَدِيدًا أَوْ لَمْ تَكُنْ لِعَدَمِ إفْسَادِ الظَّاهِرِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَتْلُ حَاصِلًا بِصِفَةِ الْكَمَالِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَسَنَجَاتُ الْمِيزَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُ الْجُرْحُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَلَكِنَّهُ إنْ كَانَ عَظِيمًا لَا يَلْبَثُ كَانَ كَالسَّيْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ كَالسَّوْطِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ، احْتَجَّا بِأَنَّ مَا لَا يَلْبَثُ يَعْمَلُ عَمَلَ السَّيْفِ وَزِيَادَةً فَوَجَبَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ هَذَا قَتْلٌ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَطَأِ فَلَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَالْقَتْلِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ فَيَصِيرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِيهِمَا نَاقِصًا اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُغْرِقُ الصَّبِيَّ أَوْ الرَّجُلَ فِي الْبَحْرِ قَالَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا وَلَكِنْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالتَّغْرِيقِ وَعِنْدَهُمَا بِالسَّيْفِ (قَوْلُهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهَا) فَإِنْ جَرَحَهُ فَكَذَلِكَ إجْمَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْهُ فَكَذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِهِ الْحَدِيدَ دُونَ الْجُرْحِ وَعَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لَا قَوَدَ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. زَاهِدِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>