يُجْعَلَ الْفَاعِلُ مُبَاشِرًا لِلسِّرَايَةِ فَيُؤْخَذُ بِهِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيُعْتَبَرُ قَتْلًا بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ بِجَنْبِهَا أُخْرَى أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ بِهَا سَمْعُهُ أَوْ كَلَامُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَّاءِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَقْطُوعَةِ وَالْمُوضِحَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَفِي الْبَصَرِ يَجِبُ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَهُ وَحْدَهُ بِفِعْلٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْبَصَرِ دُونَ الشَّلَلِ وَالسَّمْعِ وَالْكَلَامِ فَافْتَرَقَا، وَلَوْ كَسَرَ بَعْضَ السِّنِّ فَسَقَطَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَلَوْ شَجَّهُ فَأَوْضَحَهُ، ثُمَّ شَجَّهُ أُخْرَى فَأَوْضَحَهُ فَتَأَكَّلَتَا حَتَّى صَارَتَا شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا فِي الْمَشْهُورِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالْوَجْهُ فِيهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَلَعَ سِنَّةً فَنَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى سَقَطَ الْأَرْشُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا عَلَيْهِ الْأَرْشُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَقَعَتْ مُوجِبَةً لَهُ وَاَلَّذِي نَبَتَ نِعْمَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ فَحَصَلَ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ مَالٌ آخَرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ مَعْنًى وَلِهَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ بِهِ وَلَا الزِّينَةُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِوُجُودِ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ هَذَا إذَا نَبَتَتْ مِثْلُ الْأُولَى وَإِنْ نَبَتَتْ مُعْوَجَّةً فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَوْ نَبَتَتْ إلَى النِّصْفِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَرْشِ، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ غَيْرِهِ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا مَكَانَهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ فَعَلَى الْقَالِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ الْعُرُوقُ لَا تَعُودُ وَفِي النِّهَايَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأُولَى بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ، وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَبَتَتْ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أُقِيدَ فَنَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ يَجِبُ) مَعْنَاهُ إذَا قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَأُقِيدَ أَيْ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَالِعِ، ثُمَّ نَبَتَتْ سِنُّ الْأَوَّلِ الْمُقْتَصِّ لَهُ يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَهُ أَرْشُ سِنِّ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجَنَابَةُ وَلِهَذَا يُسْتَأْنَى حَوْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَ الْيَأْسَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِصَاصِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِهِ إلَّا أَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ تَضْيِيعُ الْحُقُوقِ فَاكْتَفَيْنَا بِالْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ ظَاهِرًا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْفَسَادِ، فَإِذَا مَضَى الْحَوْلُ وَلَمْ تَنْبُتْ قَضَيْنَا بِالْقِصَاصِ، ثُمَّ إذَا نَبَتَ تَبَيَّنَ أَنَّا أَخْطَأْنَا فِيهِ وَكَانَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ حَقٍّ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ الْقِصَاص لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ وَفِي النِّهَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي سِنِّ الْبَالِغِ حَتَّى يَبْرَأَ؛ لِأَنَّ نَبَاتَهُ نَادِرٌ وَلَا يُفِيدُ تَأْجِيلُهُ إلَى سَنَةٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ لِيُعْلَمَ عَاقِبَتُهُ وَعَزَاهُ إلَى التَّتِمَّةِ، وَلَوْ ضَرَبَ سِنَّ إنْسَانٍ فَتَحَرَّكَتْ يُسْتَأْتَى حَوْلًا لِيَظْهَرَ أَثَرُ فِعْلِهِ، وَلَوْ سَقَطَ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَالْقَوْلُ لِلْمَضْرُوبِ لِيُفِيدَ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَجَّهُ مُوضِحَةً، ثُمَّ جَاءَ، وَقَدْ صَارَتْ مُنَقِّلَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكُ يُورِثُ السُّقُوطَ لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي ضُرِبَ لِلتَّبْيِينِ، وَلَوْ لَمْ تَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ، وَلَوْ اسْوَدَّتْ بِالضَّرْبِ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ اخْضَرَّتْ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ لِزَوَالِ الْجَمَالِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ الْإِمْكَانِ، وَكَذَا إذَا كَسَرَ بَعْضَهُ وَاسْوَدَّ الْبَاقِي أَوْ احْمَرَّ أَوْ اخْضَرَّ يَجِبُ فِيهِ الْأَرْشُ كَامِلًا وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِمَا قُلْنَا فَأَوْجَبَ فِي الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ كَمَالَ الْأَرْشِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ وَقَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ الْأَضْرَاسِ الَّتِي لَا تُرَى وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى فَيَجِبُ فِي الْأَوَّلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَفُتْ بِهِ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ فَاتَ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ وَفِي الثَّانِي يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ كَيْفَمَا كَانَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَإِنْ اصْفَرَّتْ يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَالِ كَالسَّوَادِ وَلَنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَوْنُ السِّنِّ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ فِي بَعْضِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ إلَخْ)، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ غُصْنًا لِرَجُلٍ فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَكَذَا لَوْ حَصَدَ زَرْعًا أَوْ بَقْلًا فَنَبَتَ مَكَانَهُ آخَرُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ضَمَانِ الْمَحْصُودِ وَالْمَقْلُوعِ. اهـ. عِمَادِيٌّ فِي (٣٢)
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ سِنُّهُ وَاخْتَلَفَا قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ فِيمَا سَقَطَ بِضَرْبِهِ أَيْ اخْتَلَفَا فِي سَبَبِ السُّقُوطِ قَالَ الضَّارِبُ سَقَطَتْ بِضَرْبَةِ غَيْرِي، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، بَلْ بِضَرْبَتِك. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ: فَأَوْجَبَ) أَيْ مُحَمَّدٌ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute