للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجَمَالِ فِي الْبَيَاضِ فَيَجِبُ فِي الصُّفْرَةِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الصُّفْرَةَ فِي الْحُرِّ لَا تُوجِبُ شَيْئًا وَفِي الْعَبْدِ تُوجِبُ حُكُومَةَ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ مِنْ أَلْوَانِ السِّنِّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ السِّنِّ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَالصُّفْرَةُ لَا تُخِلُّ بِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ قَدْ تُنْتَقَصُ بِالصُّفْرَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُصُولِ الِاسْوِدَادِ بِضَرْبَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّارِبِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّرْبِ الِاسْوِدَادُ فَصَارَ إنْكَارُهُ لَهُ كَإِنْكَارِهِ أَصْلَ الْفِعْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْرُوبِ؛ لِأَنَّ مَا يَظْهَرُ عَقِيبَ فِعْلٍ مِنْ الْأَثَرِ يُحَالُ عَلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الضَّارِبُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ أَوْ ضَرَبَ فَجَرَحَ فَبَرَأَ وَذَهَبَ أَثَرُهُ فَلَا أَرْشَ)، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَأَعْطَاهُ لِلطَّبِيبِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالُ مَنْفَعَتِهِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تُتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَتَيْنِ أَوْ بِشَبَهِ الْعَقْدِ كَالْفَاسِدَةِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا تَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ، وَكَذَا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمُجَرَّدِ الْأَلَمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ ضَرَبَ إنْسَانًا ضَرْبًا مُؤْلِمًا مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْشِ، وَكَذَا لَوْ شَتَمَهُ شَتْمًا يُؤْلِمُ قَلْبَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَوَدَ بِجَرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْرِيَ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرَ أَنَّهُ قُتِلَ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ فَيَسْتَقِرُّ بِهِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ قَوَدُهُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ عَمْدًا فَدِيَتُهُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَكَذَا مَا وَجَبَ صُلْحًا أَوْ اعْتِرَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ نِصْفَ الْعُشْرِ) أَيْ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا»؛ وَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ عَنْ الْقَاتِلِ تَخْفِيفًا عَنْهُ وَذَلِكَ يَلِيقُ بِالْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ دُونَ الْمُتَعَمِّدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَاَلَّذِي وَجَبَ بِالصُّلْحِ إنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا تَتَحَمَّلُ مَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا مَا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ فَيَلْزَمُهُ دُونَهُمْ وَإِنَّمَا لَا تَتَحَمَّلُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْإِجْحَافِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِالْجَانِي وَالتَّحْمِيلُ تَحَرُّزًا عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، ثُمَّ الْكُلُّ يَجِبُ مُؤَجَّلًا إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ حَالًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ فِي سَنَةٍ؛ لِأَنَّ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَالثُّلُثُ وَمَا دُونَهُ يَجِبُ فِي سَنَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا وَجَبَ بِقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ يَجِبُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ شَرْعًا إلَى بَدَلٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَدَلُ حَالًّا كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّأْجِيلُ فِي دِيَةِ الْقَتْلِ خَطَأً ثَبَتَ شَرْعًا تَخْفِيفًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِدُ فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ فَتَجِبُ حَالًا أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْمِيلَ الْعَاقِلَةِ لَمَّا كَانَ تَخْفِيفًا عَنْهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَكَذَا هَذَا التَّخْفِيفُ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ الْمَقْتُولِ وَحَقُّهُ فِي نَفْسِهِ حَالٌّ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْجَبْرِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ وَجَبَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ مُؤَجَّلًا كَمَا إذَا وَجَبَ بِالْقَتْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ بِالِاعْتِرَافِ بِخِلَافِ مَا وَجَبَ بِالصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَأَجَّلُ إلَّا بِالشَّرْطِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُتْلَفَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يُضْمَنُ بِالْمَالِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِيمَةٍ لَهُ إذْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا تَقَوُّمَهُ بِالْمَالِ بِالشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا قَوَّمَهُ بِدِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَإِيجَابُ الْمَالِ حَالًّا زِيَادَةٌ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>