للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ الصُّلْحُ وَالْبَاطِلُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً كَمَا لَوْ وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا فِي عِدَّتِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ فَكَذَا هَذَا فَوَجَبَ الْقِصَاصُ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَقَدْ قَصَدَ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَقْصِدُ تَصْحِيحَ تَصَرُّفِهِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ فَكَانَ مُصَالِحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً عَلَى الْعَبْدِ مُقْتَضَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالْمَوْلَى أَيْضًا مُصَالِحٌ مَعَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رَاضٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِوَضًا عَنْ الْقَلِيلِ كَانَ أَرْضَى بِكَوْنِهِ عِوَضًا عَنْ الْكَثِيرِ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ صَحَّ الصُّلْحُ فِي ضِمْنِ الْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً، وَإِذَا لَمْ يُعْتِقْهُ لَمْ يُوجَدْ الصُّلْحُ ابْتِدَاءً وَالصُّلْحُ الْأَوَّلُ وَقَعَ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْلَى وَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَذُكِرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَأَعْتَقَهُ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ رُدَّ عَلَى مَوْلَاهُ، وَقِيلَ لِلْأَوْلِيَاءِ إمَّا أَنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ فَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ وَاخْتَلَفَا صُورَةً، ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ تَرُدُّ إشْكَالًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا إذَا عُفِيَ عَنْ الْيَدِ، ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ هُنَالِكَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْتِقْ الْعَبْدَ وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالصُّلْحُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ فَالْجَوَابُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ فَقَدْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ جَوَابُ الْقِيَاسِ وَمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَفْوِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ، فَيَكُونَانِ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ عَلَى مَالٍ يُقَرِّرُ الْجِنَايَةَ وَلَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْجِنَايَةِ اسْتِيفَاءٌ لِلْجِنَايَةِ مَعْنًى لِاسْتِيفَاءِ بَدَلِهَا، وَإِذَا بَقِيَتْ الْجِنَايَةُ يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ عُقُوبَتُهَا وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَهُوَ مُعْدِمٌ لِلْجِنَايَةِ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ وَإِنْ بَطَلَ بِالسِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ لَكِنْ بَقِيَتْ شُبْهَةٌ لِوُجُودِ صُورَةِ الْعَفْوِ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَجَوَابُهُ هُوَ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ يُجْعَلُ صُلْحًا ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْعَفْوِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا أَيْضًا يَرِدُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الْعَفْوَ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ وَفِي الصُّلْحِ لَمْ يَجْعَلَا كَذَلِكَ، بَلْ أَوْجَبَا الْقِصَاصَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَجَعَلَاهُ صُلْحًا مُبْتَدَأً إذَا أَعْتَقَهُ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى مَأْذُونٌ لَهُ مَدْيُونٌ خَطَأً فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ بِلَا عِلْمٍ عَلَيْهِ قِيمَةً لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقِيمَةً لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ)؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ الدَّفْعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالْبَيْعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدَةِ بِأَنْ يُدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا بِالتَّفْوِيتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْلَى بِحُكْمِ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ فَلَا يَظْهَرُ حَقُّ الْفَرِيقَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ فَصَارَ كَأَنْ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ، ثُمَّ الْغَرِيمُ أَحَقُّ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا مَالِيَّةُ الْعَبْدِ وَالْغَرِيمُ مُقَدَّمٌ فِي الْمَالِيَّةِ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ، ثُمَّ يُبَاعَ لِلْغَرِيمِ فَكَانَ مُقَدَّمًا مَعْنًى وَالْقِيمَةُ هِيَ الْمَعْنَى فَتُسَلَّمُ إلَيْهِ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَيَظْهَرَانِ فَيَضْمَنُهُمَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَنَى جِنَايَةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَالْفِدَاءِ فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ دُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ بِيعَ فِي الدَّيْنِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنَّمَا بُدِئَ بِالدَّفْعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ بَيْعُهُ بَعْدَ الدَّفْعِ، وَلَوْ بُدِئَ بِبَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي جِنَايَةٌ وَلَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الدَّفْعِ إذَا كَانَ يُبَاعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فَائِدَتُهُ ثُبُوتُ اسْتِخْلَاصِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الِاسْتِخْلَاصِ وَلِلْإِنْسَانِ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ، فَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الدَّفْعُ فَلَوْ أَنَّ الْمَوْلَى دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَى أَصْحَابِ الدُّيُونِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ أَوَّلًا، وَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَاعَهُ فِي الدَّيْنِ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ حَضَرَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: الدَّفْعُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ) يَعْنِي أَتْلَفَ الدَّفْعَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَأَتْلَفَ الْبَيْعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>