مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ وَإِعْتَاقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى فِيمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ فِيهِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ، وَلَوْ ضَرَبَهُ فَنَقَصَهُ كَانَ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ جُزْءًا مِنْهُ إلَّا إذَا زَالَ النُّقْصَانُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْقِيمَةِ وَبِوَطْءِ الْبِكْرِ يَكُونُ مُخْتَارًا بِخِلَافِ وَطْءِ الثَّيِّبِ مِنْ غَيْرِ إعْلَاقٍ وَالتَّزْوِيجِ وَالِاسْتِخْدَامِ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ تَعْيِيبٌ حُكْمِيٌّ إذْ لَا يُعْجِزُهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إمْسَاكُ شَيْءٍ مِنْهُ وَالِاسْتِخْدَامُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَطَعَنَ عِيسَى فِي التَّزْوِيجِ فَقَالَ إنَّهُ تَعْيِيبٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا بِهِ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا وَفِي الْوَطْءِ خِلَافُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْإِمْسَاكِ فَصَارَ كَوَطْءِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ قُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُ الْإِمْسَاكِ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَكَانَ وَاطِئًا مِلْكَ غَيْرِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، ثُمَّ يَدْفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ إذْ لَا يَتَبَيَّنُ بِالدَّفْعِ أَنَّ الْوَطْءَ وَقَعَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِزَوَائِدِهِ، وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَسْتَحِقُّهُ بِزَوَائِدِهِ وَيَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ، فَيَكُونُ مُحْدِثًا فِيهِ مَا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِهِمَا لِلْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْجِزْهُ عَنْ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِ الْعَبْدِ سَابِقًا عَلَى حَقِّهِمَا فَيُفْسَخَانِ صَوْنًا لِحَقِّهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفَ الْمَوْلَى بِجِهَةِ الْمِلْكِ فَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ صَحِيحٌ وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ تَعَلَّقَا بِالْعَيْنِ فَيُرَجَّحُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالسَّبْقِ، وَكَذَا لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يُفَوِّتُ الدَّفْعَ وَلَا يُنْقِصُ الرَّقَبَةَ إلَّا أَنَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ فَيَلْزَمُ الْمَوْلَى قِيمَتُهُ، وَلَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَعَلِمَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ صَارَ مُخْتَارًا فِيمَا عَلِمَ وَفِيمَا لَمْ يَعْلَمْ يَلْزَمُهُ حِصَّتُهُ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْته أَوْ شَجَجْته فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ إنْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ وَرَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ كَمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِبَيْعِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا وَبِتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالرَّمْيِ وَالشَّجِّ يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ أَوَانَ تَكَلُّمَهُ بِهِ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا عِلْمَ لِلْمَوْلَى بِمَا سَيُوجَدُ بَعْدُ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ أَوْ لَا يُعْتِقَ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَثَبَتَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ فِي يَمِينِهِ تِلْكَ فَكَذَا هَذَا وَلَنَا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ بِالْجِنَايَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك يَصِيرُ ابْتِدَاءُ الْإِيلَاءِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَرِضَ حَتَّى طَلُقَتْ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ فَارًّا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُطَلِّقًا بَعْدَ وُجُودِ الْمَرَضِ بِخِلَافِ مَا أَوْرَدَهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ طَلَاقٌ أَوْ إعْتَاقٌ يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ إذْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَهُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ بِتَعْلِيقِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إلَى الْقَتْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، وَهَذَا دَلَالَةُ الِاخْتِيَارِ هَذَا إذَا عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْقِصَاصِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ فَحَرَّرَهُ فَمَاتَ مِنْ الْيَدِ فَالْعَبْدُ صُلْحٌ بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ لَمْ يُحَرِّرْهُ رُدَّ عَلَى سَيِّدِهِ وَيُقَادُ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى ظَهَرَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute