للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ حَيْثُ لَمْ يُبَرَّأْ الْمَوْلَى لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّتِهِ، وَلَوْ فَدَاهُ الْمَوْلَى، ثُمَّ عَادَ فَجَنَى كَانَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ كَحُكْمِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَهُرَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْفِدَاءِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ مِنْ قَبْلُ وَهَذِهِ ابْتِدَاءُ جِنَايَةٍ، وَلَوْ جَنَى قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فِي الْأُولَى شَيْئًا أَوْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ جِنَايَاتٍ قِيلَ لِمَوْلَاهُ إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ بِالْكُلِّ أَوْ تَفْدِيَهُ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ حُكْمًا فَصَارَ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ، فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِوَلِيِّ الْأُولَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقٍّ آخَرَ بِهِ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ صَارَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا وَهِيَ الْجِنَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ الْمُتَّحِدَةُ، وَكَذَا الْمُسْتَحَقُّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَجِبُ لِلْمَقْتُولِ، ثُمَّ لِلْوَارِثِ خِلَافَةٌ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ فِي مُوجِبِهَا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْتَقَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ، وَلَوْ عَالِمًا بِهَا لَزِمَهُ الْأَرْشُ كَبَيْعِهِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِقَتْلِ فُلَانٍ وَرَمْيِهِ وَشَجِّهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ) مَعْنَاهُ إذَا جَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَحْدَثَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُعْجِزُهُ عَنْ الدَّفْعِ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَإِلَّا فَلَا، فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ جِئْنَا إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ إلَخْ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ فَوَّتَ حَقَّهُ فِي أَقَلِّهِمَا فَيَضْمَنُهُ وَلَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَذَا الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يَتَحَقَّقُ وَفِي الثَّانِي صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَمْنَعُهُ مِنْ الدَّفْعِ فَالْأَقْدَامُ عَلَيْهِ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْفِدَاءِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا وَإِنْ بَاعَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِهِ يَعْنِي كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْهِبَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَالتَّمْلِيكِ بِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ بِالْعَبْدِ الْجَانِي عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ مُخَاطَبٌ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ وَإِنَّمَا هُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا بِذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لَا يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ وَتَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ تَنْدَفِعْ فَيُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَفْدِيَةَ أَوْ تَدْفَعَهُ فَإِنْ فَدَاهُ صَارَ مُتَطَوِّعًا بِالْفِدَاءِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ إذَا حَضَرَ وَصَدَّقَهُ أَنَّهُ لَهُ وَإِنْ دَفَعَهُ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْخِيَارِ إذَا حَضَرَ إنْ شَاءَ أَجَازَ دَفْعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّمْلِيكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُقِرِّ ظَاهِرًا فَيَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْإِقْرَارِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبٌ لِلدَّفْعِ فَلَا يَخْتَلِفُ، وَكَذَا لَا فَرْقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَاتًّا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ نَقَضَهُ أَوْ الْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَزُلْ بِهِ وَلَا يُقَالُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْإِجَازَةِ بِهِ فَوَجَبَ هُنَا أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُخْتَارًا لَلَزِمَ مِنْهُ بَيْعُ مِلْكِ غَيْرِهِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْبَيْعِ الْغَرَرِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَزُولُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ حَيْثُ يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْمَالِ وَفَكِّ الْحَجْرِ عَنْ الْعَبْدِ فِي الْحَالِ وَهُوَ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الْكِتَابَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ صَحِيحَةً، ثُمَّ عَجَزَ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِالْجِنَايَةِ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَبَعْدَهَا لَا يَدْفَعُهُ لِتَقَرُّرِ الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ بَاعَهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرُ الْمُرْتَهِنِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>