وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَذْهَبْت ضَوْءَ عَيْنِك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ، ثُمَّ فُقِئَتْ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَا بَلْ أَذْهَبْتهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى مَفْقُوءَةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ يَدَهَا إذَا قَطَعَهَا وَهِيَ مَدْيُونَةٌ بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ الْمَدْيُونَةَ لَا يُوجِبُ الْعُقْرَ، وَكَذَا أَخْذُهُ مِنْ غَلَّتِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَحَصَلَ الْإِسْنَادُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّهِمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ حَرْبِيٍّ أَسْلَمَ أَخَذْت مَالَك وَأَنْتَ حَرْبِيٌّ فَقَالَ بَلْ أَخَذْته بَعْدَمَا أَسْلَمْت
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَمَرَ صَبِيًّا حُرًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ)؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ، وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا كَانَ الْآمِرُ لِلصَّبِيِّ صَبِيًّا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَوْلُهُمَا وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ أَبَدًا وَيَرْجِعُونَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الِاعْتِبَارِ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى لَا لِنُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَاصِرُ الْأَهْلِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا أَبَدًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ، وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ قِبَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قُبَيْلَ هَذَا وَلِهَذَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ مَاتَ فِيهَا أَلْفُ نَفْسٍ فَيَقْتَسِمُونَهَا بِالْحِصَصِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا إنْ أَمَرَ عَبْدًا) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ عَبْدًا وَالْمَأْمُورُ أَيْضًا عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا فَيُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْفِدَاءِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، وَكَذَا إذَا كَانَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ خَطَأٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، وَلَوْ أَمَرَ رَجُلٌ حُرٌّ صَبِيًّا حُرًّا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، ثُمَّ تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَبِّبُ إذْ لَوْلَا أَمْرُهُ لَمَا قَتَلَ لِضَعْفٍ فِيهِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ تَعْقِلُ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ مَا لَزِمَ بِسَبَبِ الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا قَوْلٌ لَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَهُوَ تَسْبِيبٌ فَتَعْقِلُهُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ فَلَا تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ عَلَى الْآمِرِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ صَارَ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ بِالْأَمْرِ كَمَا إذَا اسْتَخْدَمَهُ وَضَمَانُ الْغَصْبِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لِكَوْنِ الْمَأْمُورِ حُرًّا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغَصْبُ، فَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْآمِرِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَأْتَمِرُ هُوَ أَيْضًا بِأَمْرِ مِثْلِهِ لَا سِيَّمَا فِي الدَّمِ وَإِنْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ يُخَيَّرُ مَوْلَى الْمَأْمُورِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الْمَضْمُونِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَأْذُونُ لَهُ يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا حَيْثُ لَا تَرْجِعُ عَاقِلَةُ الْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ الْغَصْبِ فِي الْحُرِّ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ صَبِيًّا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ حَتَّى يَرْجِعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا لِتَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ جِنَايَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ تِجَارَةٍ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ حُرًّا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَصْبِ فِيهِ فَصَارَ الصَّبِيُّ الْآمِرُ فِي حَقِّهِ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ مُكَاتَبًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فِي حَقِّهِمَا) أَيْ فِي حَقِّ الْغَلَّةِ وَالْوَطْءِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute