وَالْمَأْمُورُ صَبِيٌّ حُرٌّ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ وَتَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ بِخِلَافِ الْقِنِّ فَإِنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا سَقَطَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَمَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ تُبَاعُ رَقَبَتُهُ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ الْمَوْلَى بِدَيْنِهِمْ وَهُوَ الْقِيمَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَبْطُلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ صَارَ قِنًّا وَأَمْرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَكِنَّهُمَا يَقُولَانِ لَمَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَتَقَرَّرَ فَلَا يَسْقُطُ حَتَّى لَوْ عَجَزَ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بَطَلَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ جِنَايَتِهِ إنَّمَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَمَا أَدَّى كُلَّ الْقِيمَةِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَسْتَرِدَّ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ، وَلَوْ أَدَّى الْبَعْضَ، ثُمَّ عَجَزَ سُلِّمَ مَا أَدَّاهُ لَهُمْ وَبَطَلَ الْبَاقِي عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا تَخَيَّرَ مَوْلَاهُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَةِ الْمَأْمُورِ إلَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ فَتَنْقُصُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بَقِيَ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا ضَمَانُ الْغَصْبِ فَفِيهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَيْفَ نَقَصَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَضَمَانِ الْجِنَايَةِ فَجَوَابُهُ هَذَا ضَمَانُ الْغَصْبِ لَكِنْ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَبِاعْتِبَارِ الْغَصْبِ وَجَبَ قِيمَةُ الْمَأْمُورِ وَبِاعْتِبَارِ السَّبَبِ رَوْعِي التَّقْدِيرُ لِوُجُوبِهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَاعْتُبِرَ بِهَا فِي حَقِّ التَّقْدِيرِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَمَوْلَى الْمَأْمُورِ يُطَالِبُ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَسْقُطُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ فَمَوْلَى الْمَأْمُورِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ عَلَى الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ غَصْبٍ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمَوْلَى بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُعْتَقِ وَبِالْفَضْلِ عَلَى الْمُعْتِقِ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُكَاتَبًا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ ضَمَانُ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ هَذَا أَنْ يُجْعَلَ ضَمَانَ غَصْبٍ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ حُرٌّ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْغَصْبِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا كَالْحُرِّ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْجِنَايَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْ الْآمِرِ لِكَوْنِ الْمَأْمُورِ كَبِيرًا حُكْمًا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الصَّغِيرَ مُلْحَقٌ بِالْكَبِيرِ فَصَارَ كَالْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ إذَا كَانَ مَأْمُورًا
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ قَتَلَ رَجُلَيْنِ عَمْدًا وَلِكُلٍّ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ سَيِّدُهُ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَاهُ بِالدِّيَةِ) أَيْ لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى اللَّذَيْنِ لَمْ يَعْفُوا مِنْ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتَيْنِ مَالًا وَهُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَتِيلَيْنِ يَجِبُ لَهُ قِصَاصٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ، فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصَانِ وَجَبَ أَنْ يَنْقَلِبَ كُلُّهُ مَالًا وَذَلِكَ دِيَتَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عِشْرُونَ أَلْفًا أَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ غَيْرَ أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِيَيْنِ سَقَطَ مَجَّانًا فَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتَيْنِ مَالًا وَذَلِكَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَتَلَ أَحَدَهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَدَى بِالدِّيَةِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَبِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ أَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا)؛ لِأَنَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ حَقُّهُمَا فِي الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَحَقُّ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِذَا فَدَى فَدَاهُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَثْلَاثًا ثُلُثَيْهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَثُلُثَهُ لِلسَّاكِتِ مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الدِّيَةِ كَذَلِكَ فَيَضْرِبُ وَلِيَّا الْخَطَأِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ وَيَضْرِبُ غَيْرُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَدْفَعُهُ أَرْبَاعًا بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ وَرُبْعَهُ لِغَيْرِ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ سُلِّمَ لِوَلِيَّيْ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمْ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيَتَنَصَّفُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمَوْلَى رُبْعُ الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الْعَافِي مِنْ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ وَيُدْفَعُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ إلَيْهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَمَا سُلِّمَ لَهُ النِّصْفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ نَصِيبُ الْعَافِينَ قُلْنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ وَلِيَّيْ الْخَطَأِ اسْتَحَقَّاهُ كُلَّهُ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ حَقِّهِمَا شَيْءٌ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَعَلَّقَ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَأَمْرُهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ أَمْرُ الْقِنِّ بِالْقَتْلِ لَا يَصِحُّ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute