وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَيَكُونُ مُكَلَّفًا، وَلَوْلَا أَنَّهُ آدَمِيٌّ لَمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَلَا كُلِّفَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْآدَمِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَالْآدَمِيَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُ أَعْلَاهُمَا وَهِيَ الْآدَمِيَّةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِهْدَارِ الْأَدْنَى وَهِيَ الْمَالِيَّةُ؛ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّةَ أَسْبَقُ وَالرِّقُّ عَارِضٌ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِنْكَافِ فَكَانَ اعْتِبَارُ مَا هُوَ الْأَصْلُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ عَمْدًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَالْمُتْلَفُ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَاحِدٌ، فَإِذَا اُعْتُبِرَ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْقَتْلِ آدَمِيًّا وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ إذْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَتَبَدَّلُ جِنْسُهُ بِاخْتِلَافِ حَالَةِ إتْلَافِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَكْسِ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَالْجَمَادِ وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَصْبِ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ بِمُقَابَلَةِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ الْغَصْبُ لَا يَرِدُ إلَّا عَلَى الْمَالِ وَبَقَاءُ الْعَقْدِ لَا يَعْتَمِدُ الْمَالِيَّةَ وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُ الْفَائِدَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَبْقَى بَعْدَ قَتْلِهِ عَمْدًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِصَاصُ مَالًا وَلَا بَدَلًا عَنْ الْمَالِيَّةِ وَفِي قَلِيلِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبُ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ فِيهِ فَقَدَّرْنَاهُ بِقِيمَتِهِ رَأْيًا بِخِلَافِ كَثِيرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُبْلَغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ وَيُنْقَصُ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا؛ وَلِأَنَّ آدَمِيَّتَهُ أَنْقَصُ، فَيَكُونُ بَدَلُهَا أَقَلَّ كَالْمَرْأَةِ وَالْجَنِينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَنْقَصَ تَنَصَّفَتْ النِّعَمُ وَالْعُقُوبَاتُ فِي حَقِّهِ إظْهَارًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَكَذَا فِي هَذَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَمَةِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً؛ لِأَنَّ دِيَةَ الْأُنْثَى نِصْفُ دِيَةِ الذَّكَرِ، فَيَكُونُ النَّاقِصُ عَنْ دِيَةِ الْأُنْثَى نِصْفَ النَّاقِصِ عَنْ دِيَةِ الذَّكَرِ كَمَا فِي الْأَطْرَافِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَالٍ لَهُ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ عَشَرَةٌ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ وَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ الدِّيَةِ فَيُنْقَصُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ بِحِسَابِهِ، وَلَوْ نَقَصَ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ عَشَرَةٌ لَمَا وَجَبَ أَصْلًا. قَالَ (وَمَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعَبْدِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ إذْ هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَيَكُونُ فِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيُعْتَبَرُ بِكُلِّهِ وَيُنْقَصُ هَذَا الْمِقْدَارُ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ، وَقِيلَ يَضْمَنُ فِي الْأَطْرَافِ بِحِسَابِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ شَنِيعٍ وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْأَطْرَافِ أَكْثَرُ مِمَّا يَجِبُ فِي النُّفُوسِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مَثَلًا مِائَةَ أَلْفٍ فَإِنَّهُ بِقَطْعِ يَدِهِ يَجِبُ خَمْسُونَ أَلْفًا وَبِقَتْلِهِ عَشَرَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً وَفِي لِحْيَتِهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَجِبُ كَمَالُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَحَرَّرَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ مِنْهُ وَلَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ لَا يُقْتَصُّ وَإِلَّا اُقْتُصَّ مِنْهُ) وَإِنَّمَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْأَوَّلِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجَرْحِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةَ الْجَرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ فَيَتَحَقَّقُ الِاشْتِبَاهُ فَيَتَعَذَّرُ فَلَا يَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُسْتَوْفَى إذْ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ وَرَثَةٌ أُخَرُ سِوَى الْمَوْلَى وَاجْتِمَاعُهُمَا لَا يُزِيلُ الِاشْتِبَاهَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الدَّوَامِ فِيهِمَا فَلَا يَكُونُ الِاجْتِمَاعُ مُفِيدًا وَلَا يُقَالُ يَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْآذِنُ يَمْلِكُ ذَلِكَ بِخِلَافِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ) يَتَمَشَّى مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِيمَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَا رَوَيَا مِنْ الْأَثَرِ مُعَارَضٌ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ) وَأَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا دِيَةُ الْحُرِّ فَتُنْقَصُ مِنْهَا عَشَرَةٌ كَمَا تُنْقَصُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا قَطَعَ يَدَ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ خَمْسَةَ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ فِي الْيَدِ جُزْءٌ مِمَّا يَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ فَقُدِّرَ بِنِصْفِهَا وَمَا يَجِبُ فِي الْأُنْثَى لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْ دِيَةِ الذَّكَرِ وَإِنَّمَا هِيَ دِيَةٌ فِي نَفْسِهَا فَلِذَلِكَ قُدِّرَ النَّقْصُ فِيهَا بِعَشَرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَتْلِ الْأَمَةِ خَطَأً إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى دِيَةِ الْحُرَّةِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةً قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي كِتَابِ الْعُيُونِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ هُوَ الْقِيَاسُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: لِمَا وَجَبَ أَصْلًا) أَيْ فِي جِرَاحَةٍ يُسَاوِي أَرْشُهَا عَشَرَةً فَمَا دُونَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشَرْحَيْهِ وَالِاخْتِيَارِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَالْمُنْتَقَى وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْمُحِيطِ نُقْصَانُ الْخَمْسَةِ هُنَا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ فَصْلِ الْأَمَةِ اهـ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا تُزَادُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي الْمَبْسُوطِ يَجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِهِ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةً وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِحَالٍ وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْقَوْلُ بِهَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَجِبَ بِقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ فَوْقَ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا يَضْمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ وَحَكَاهُ الْأَكْمَلُ عَنْ النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ مَشَى عِزُّ الدِّينِ يُوسُفُ الرَّازِيّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute