للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدِ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَائِمٌ فَصَارَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا فِيهِ دُونَ الْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ فَيُقْتَلُ بِاجْتِمَاعِهِمَا لِلرِّضَا بِبُطْلَانِ حَقِّهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْلَى فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوِلَايَةِ قَدْ اخْتَلَفَ؛ لِأَنَّهُ الْمِلْكُ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجَرْحِ وَالْوِرَاثَةُ بِالْوَلَاءِ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ فَنُزِّلَ اخْتِلَافُ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ أَوْ فِيمَا يُحْتَاطُ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْتنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَقَالَ لَا بَلْ زَوَّجْتهَا مِنْك لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْقَرْضِ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا يُبَالَى بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ الْإِعْتَاقَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ وَبِانْقِطَاعِهَا يَبْقَى الْجَرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ وَلَهُمَا أَنَّا تَيَقَّنَّا بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْمَوْلَى فَيَسْتَوْفِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ فَأَمْكَنَ الْإِيجَابُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِاتِّحَادِ الْمُسْتَوْفِي وَالْمُسْتَوْفَى وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَاضِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمُقْضَى لَهُ مَجْهُولٌ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ إذْ مِلْكُ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُثْبِتُ الْحِلَّ مَقْصُودًا وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يُثْبِتُهُ مَقْصُودًا، وَقَدْ لَا يُثْبِتُ الْحِلَّ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ مَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ السَّبَبِ لِلْحِلِّ انْتَفَى بِإِنْكَارِ الْآخَرِ فَبَقِيَ بِلَا سَبَبٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ بِدُونِهِ إذْ لَا يَجْرِي فِيهِ الْبَدَلُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ بِيَقِينٍ وَلَا مُنْكِرَ لَهُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ وَلَا مَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ فَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِذَاتِهِ، بَلْ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ غَيْرُ الْمَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا أَوْ فِي الطَّرَفِ أَوْ فِي الْقَتْلِ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجَرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ أَوْ زِيَادَةِ الْجَرْحِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ لِحُرِّيَّتِهِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذَ وَصَايَاهُ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيَسْقُطُ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ عَمْدًا فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِلْعَبْدِ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا فِي الْخَطَأِ وَفِي الْعَمْدِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْطَعُ السِّرَايَةَ فَلَا يَجِبُ إلَّا أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا يَنْقُصُ بِذَلِكَ إلَى الْإِعْتَاقِ وَتَسْقُطُ الدِّيَةُ وَالْقِصَاصُ، وَكَذَا فِي الْقَطْعِ إذَا لَمْ يَمُتْ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا حَدَثَ مِنْ النُّقْصَانِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ بِالْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ يَجِبُ فِيهِ أَرْشُ الْقَطْعِ وَمَا نَقَصَهُ إلَى الْإِعْتَاقِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَلَا مَا نَقَصَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا فَبَيَّنَ فِي أَحَدِهِمَا فَأَرْشُهُمَا لِلسَّيِّدِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ، ثُمَّ شُجَّا فَبَيَّنَ الْعِتْقَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ الشَّجِّ فَأَرْشُهُمَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ نَازِلٍ فِي الْمُعَيَّنِ وَالشَّجَّةُ تُصَادِقُ الْمُعَيَّنَ فَبَقِيَا مَمْلُوكَيْنِ فِي حَقِّ الشَّجَّةِ، وَلَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا تَجِبُ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِظْهَارٌ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا عُرِفَ وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّ الْمَحَلِّ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا، فَإِذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعًا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ، فَيَكُونُ الْكُلُّ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا يَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ فَيُقْسَمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْأَوَّلِ لِمَوْلَاهُ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلٌ مَعًا حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكَيْنِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرًّا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُنْكِرُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى ثُبُوتَ الْعِتْقِ فِي الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ وَإِنَّمَا صَحَّحْنَاهُ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَثْبَتنَا لَهُ وِلَايَةَ النَّقْلِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَقَدْ لَا يَثْبُتُ الْحِلُّ أَصْلًا) أَيْ كَمَا إذَا مَلَكَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ. اهـ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>