للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهِيَ النَّفْسُ دُونَ الْأَطْرَافِ وَالدِّيَةِ فَبَقِيَ مَمْلُوكًا فِي حَقِّهِمَا فَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِيهِمَا فَتَكُونُ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُ هُوَ نِصْفَ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَتْرُكُ النِّصْفَ لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعِتْقِ ثَابِتٌ فِي أَحَدِهِمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَلَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ فَيُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ قَتَلَاهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى لِتَعَيُّنِهِ لِلرِّقِّ وَعَلَى الْقَاتِلِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا قُتِلَ أَوَّلًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَتُهُ وَلِلْمَوْلَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقِيمَةِ كَالْأَوَّلِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَقَأَ عَيْنَيْ عَبْدٍ دَفَعَ سَيِّدُهُ عَبْدَهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ وَلَا يَأْخُذُ النُّقْصَانَ) أَيْ إذَا فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ الْمَفْقُوءَ إلَى الْفَاقِئِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ كَامِلًا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ مَا نَقَصَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْعَبْدَ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُضَمِّنُهُ كُلَّ الْقِيمَةِ وَيُمْسِكُ الْجُثَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الضَّمَانَ مُقَابَلًا بِالْفَائِتِ فَبَقِيَ الْبَاقِي حِينَئِذٍ عَلَى مِلْكِهِ كَمَا إذَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَفَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْمَالِيَّةُ قَائِمَةٌ فِي الذَّاتِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَالِيَّةِ فِي الذَّاتِ دُونَ الْأَطْرَافِ سَاقِطٌ، بَلْ الْمَالِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا، بَلْ اعْتِبَارُ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَطْرَافِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمَالِيَّةُ مُعْتَبَرَةً، وَقَدْ وُجِدَ أَيْضًا إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا الضَّمَانُ مُقَدَّرٌ بِقِيمَةِ الْكُلِّ فَوَجَبَ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَرِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَقَأَ عَيْنَيْ حُرٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ وَبِخِلَافِ عَيْنَيْ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَفِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ وَفَقْءِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ لَمْ يُوجَدْ تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا جِئْنَا إلَى تَعْلِيلِ مَذْهَبِ الْفَرِيقَيْنِ لَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى أَطْرَافِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَوَدُ فِيهَا وَلَا تَتَحَمَّلَهَا الْعَاقِلَةُ وَتَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَكَانَ مُعْتَبَرًا بِالْمَالِ، فَإِذَا كَانَ مُعْتَبَرًا بِهِ وَجَبَ تَخْيِيرُ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَاهُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنْ خَرَقَ ثَوْبَ الْغَيْرِ خَرْقًا فَاحِشًا يُوجِبُ تَخْيِيرَ الْمَالِكِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ أَيْضًا غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهِ وَفِي الْأَطْرَافِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدًا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ آخَرَ يُؤْمَرُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ، وَهَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ أَنْ تُبَاعَ رَقَبَتُهُ فِيهَا، ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ، بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتِ لَا غَيْرُ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ يَنْقَسِمَ عَلَى الْجُزْءُ الْفَائِتِ وَالْقَائِمِ وَيَتَمَلَّكَ الْجُثَّةَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْمَالِيَّةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ فِيمَا قَالَاهُ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْمَالِيَّةِ فَقَطْ وَهُوَ أَدْنَى، وَإِهْدَارُ جَانِبِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ أَعْلَى وَمِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَ الْآدَمِيَّةِ فَقَطْ وَالشَّيْءُ إذَا أَشْبَهَ شَيْئَيْنِ يُوَفِّرُ حَظَّهُمَا عَلَيْهِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جَنَى مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ضَمِنَ السَّيِّدُ الْأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى الْمَوْلَى بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا بِالشَّامِ فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْمَوْلَى صَارَ مَانِعًا بِالتَّدْبِيرِ تَسْلِيمَهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَكَذَا بِالِاسْتِيلَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَحْدُثُ فَصَارَ كَمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْعَيْنِ وَقِيمَتُهَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ لِاخْتِيَارِهِ الْأَقَلَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي قِنًّا حَيْثُ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ الْعَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ دَفْعَ النَّقْدِ عَلَى مَا هُوَ الْأَيْسَرُ عِنْدَهُ أَوْ يُبْقِي مَا يَخْتَارُهُ عَلَى مِلْكِهِ وَيُخْرِجُ الْآخَرَ عَنْ مِلْكِهِ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إلَّا رَقَبَةً

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>