للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَدِ فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ وَرَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا.

وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَحَكَمَ فِيهِمَا بِحُكْمٍ وَاحِدٍ وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالْيَهُودِ فِي الْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ الْمَالَ الْمُبْتَذَلَ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفْسَ الْمُحْتَرَمَةَ. وَمَا رَوَيَاهُ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَلَئِنْ ثَبَتَ إنَّمَا قَالَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ إنْكَارًا عَلَيْهِمْ لَمَّا لَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إنَّ الْيَهُودَ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيمَا تَدَّعُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ.

وَكَمَا لَا تُقْبَلُ مِنْكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ أَيْمَانَكُمْ فَتَسْتَحِقُّونَ بِهَا كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْيَهُودِ بِدَعْوَاكُمْ عَلَيْهِمْ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ حُكْمُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَلَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ إذْ قَالَ لِوَادِعَةَ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ وَادِعَةَ وَحَيٍّ آخَرَ يَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ نَحْلِفُ وَتُغَرِّمُنَا فَقَالَ نَعَمْ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى مَا قُلْنَا.

وَقَوْلُهُ يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ إلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ أَوْ صَالِحِي أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ وَلَوْ اخْتَارُوا أَعْمًى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ جَازَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ بِخِلَافِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَلَاعُنَ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِذَا حَلَفُوا فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَإِذَا حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ قَضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَلَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ يَمِينِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ بِأَيْمَانِهَا»، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عَهْدٌ فِي الشَّرْعِ مُبَرِّئًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا مُلْزِمًا كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُبَرِّئُكُمْ الْيَهُودُ» مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْحَبْسِ وَالْيَمِينِ مَشْرُوعَةٌ لِتَعْيِينِ الْقَاتِلِ لَا لِتَجِبَ الدِّيَةُ عِنْدَ نُكُولِهِمْ حَتَّى تَنْتَفِيَ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ الْمَوْجُودِ مِنْهُمْ ظَاهِرًا أَوْ لِتَقْصِيرِهِمْ عَنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْقَتْلِ خَطَأً وَمَنْ أَبَى مِنْهُمْ الْيَمِينَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِذَاتِهِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ.

وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَذْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَالَ الْمُدَّعَى وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَسْقُطُ بِبَذْلِهِ الدِّيَةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لَا يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْبَاقِي وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ الْقَتْلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ.

وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيُقَالُ لِلْوَلِيِّ أَلَك بَيِّنَةٌ فَإِنْ قَالَ لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً.

وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالنَّصِّ إذَا كَانَ فِي مَكَان يُنْسَبُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَفِيمَا وَرَاءَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ إبْرَاءٌ لَهُمْ حَيْثُ ادَّعَى مَعْرِفَةَ مَنْ قَتَلَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ إذْ قَالَ) أَيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَادِعَةَ) حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَيٍّ آخَرَ) وَالْقَتِيلُ إلَى وَادِعَةَ أَقْرَبُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ اغْرَمُوا) حَتَّى قَالُوا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ لَا أَيْمَانُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَمْوَالِنَا وَلَا أَمْوَالُنَا تَدْفَعُ عَنْ أَيْمَانِنَا فَقَالَ عُمَرُ أَمَّا أَيْمَانُكُمْ فَلِحَقْنِ دِمَائِكُمْ وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَلِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ جَمِيعًا أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ لَا بِأَعْيَانِهِمْ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ أَوْ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الْجَمِيعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ) سَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي الْمَتْنِ آخِرَ الْبَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ) يَعْنِي تَجِبُ الْقَسَامَةِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ الْكِتَابِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي كِتَابِ الْقُدُورِيِّ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةٍ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ اُسْتُحْلِفَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ إلَخْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الدَّعْوَى بِالْوُقُوعِ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى الْبَعْضِ لَا بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ كَذَلِكَ أَعْنِي أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ قَالَ فِي الْأَصْلِ إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِحَالِهَا اهـ (قَوْلُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا عُرِفَ) أَيْ وُجُوبُ الْقَسَامَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَ) أَيْ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَة (قَوْلُهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ) فَلَمْ تَجِبْ الْقَسَامَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِيهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>