للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي إطْلَاقِ النُّصُوصِ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى فَيَجِبَانِ بِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ لَا بِالْقِيَاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.

؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ فَلَوْ أَوْجَبْنَاهُمَا لَأَوْجَبْنَاهُمَا بِالْقِيَاسِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثُمَّ حُكْمُ ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ مَا ادَّعَاهُ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ اسْتَحْلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَسَامَةٍ لِانْعِدَامِ النَّصِّ وَامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ ثُمَّ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَفِي دَعْوَى الْمَالِ يَثْبُتُ وَفِي دَعْوَى الْقِصَاصِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يَتِمُّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ لِيَتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا)؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَيَجِبُ إتْمَامُهَا مَا أَمْكَنَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُقُوفُ عَلَى الْفَائِدَةِ فِيمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَضَى بِالْقَسَامَةِ وَافَى عِنْدَهُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا فَكَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَمَّتْ خَمْسِينَ ثُمَّ قَضَى بِالدِّيَةِ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ فَيُكْمِلُ، وَتَكْرَارُ الْيَمِينِ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ مُمْكِنٌ شَرْعًا كَمَا فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا فَأَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يُكَرِّرَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى التَّكْرَارِ ضَرُورَةَ الْإِكْمَالِ وَقَدْ كَمُلَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ)؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ أَتْبَاعٌ وَالنُّصْرَةُ لَا تَقُومُ بِالِاتِّبَاعِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَالْيَمِينُ قَوْلٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ يَسِيلُ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ بِخِلَافِ عَيْنِهِ وَأُذُنِهِ)؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ فِي الْقَتِيلِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَتِيلٍ، وَإِنَّمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا قَسَامَةَ وَلَا غَرَامَةَ؛ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ تَتْبَعُ فِعْلَ الْعَبْدِ وَالْقَسَامَةِ لِاحْتِمَالِ الْقَتْلِ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يَكُونُ بِالْمَيِّتِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنْقٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَثَرِ لَا يَكُونُ بِفِعْلِ الْبَشَرِ فَلَا يَكُونُ قَتِيلًا، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ دُبُرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَخَارِقَ يَخْرُجُ مِنْهَا الدَّمُ عَادَةً فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَادَةً إلَّا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ قَتِيلًا ظَاهِرًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الْقَسَامَةُ إلَخْ) فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى عَلَى الْبَعْضِ بِعَيْنِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِيهِ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى قِصَاصًا عَلَى غَيْرِهِ فَجَحَدَا اُسْتُحْلِفَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْأَرْشُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مَعْنَى النُّكُولِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَذْلِ مَا دُونَ النَّفْسِ يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ قِصَاصٌ وَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ بِحَقٍّ فَإِذَا صَحَّ بَذْلُهُ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالنُّكُولِ كَالْأَمْوَالِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا النُّكُولُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِقْرَارِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهِ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْإِقْرَارُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَثْبُتُ بِمَا قَامَ مَقَامَ الْغَيْرِ وَمَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ كَدَمِ الْعَمْدِ الْمُشْتَرَكِ إذْ عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَقْرَأَ وَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ كَمَا فِي النُّكُولِ فِي الطَّرَفِ وَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِمَا مَرَّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَإِنَّمَا اُسْتُحْسِنَ فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ اسْتِعْظَامًا لِحُرْمَةِ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِغَيْرِهَا مِنْ تَكْرَارِ الْأَيْمَانِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قَالَ يُحْبَسُ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ نَفْسَ الْحَقِّ بِدَلِيلِ اجْتِمَاعِ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فِي الْقَتِيلِ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ الْحَقِّ فَمَتَى امْتَنَعَ مِنْ إيفَائِهَا وَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِ نُكُولِهِ وَجَبَ أَنْ يُحْبَسَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَمَّا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ فِيهِمْ الْفَاسِقُ وَالصَّالِحُ فَالْخِيَارُ فِي اسْتِحْلَافِهِمْ إلَى الْوَرَثَةِ يَخْتَارُونَ أَهْلَ الصَّلَاحِ إنْ أَحَبُّوا حَتَّى يَسْتَحْلِفُوهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ لَا يُتِمُّونَ خَمْسِينَ وَأَرَادُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَتَخَيَّرُوا مِنْ الْبَاقِي تَمَامَ خَمْسِينَ رَجُلًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِيُتِمَّ خَمْسِينَ يَمِينًا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ خَمْسُونَ بِالرَّفْعِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَدَلَالَةُ الْقَتْلِ جِرَاحَةٌ تُوجَدُ أَوْ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ يَصْعَدُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فِيهِ فَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى فِيهِ فَلَيْسَ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ عَلَى التَّفْصِيلِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَتِيلَ اسْمٌ لِمَيِّتٍ مَاتَ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ حَيٌّ عَادَةً فَإِذَا وُجِدَ فِي الْمَحَلِّ سَبَبٌ قَاتِلٌ عَادَةً يُوجَدُ مِنْ الْعِبَادِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ قَتِيلٌ وَإِلَّا فَلَا وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ مَوْضِعٍ يَخْرُجُ مِنْهُ عَادَةً مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ لَا يَكُونُ أَثَرُ الْقَتْلِ كَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رُعَافٍ فَلَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى وُجُودِ سَبَبٍ فِي الْمَحَلِّ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِعِلَّةٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ لِأَكْلِ شَيْءٍ غَيْرِ مُوَافِقٍ، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْلِيلِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِعِرْقٍ انْفَجَرَ فِي الْبَاطِنِ أَوْ لِضَعْفِ الْكُلَى أَوْ لِضَعْفِ الْكَبِدِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنِهِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْقَتْلِ ظَاهِرًا لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا عَادَةً إلَّا بِضَرْبٍ حَادِثٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَرَامَةَ) أَرَادَ بِهَا الدِّيَةَ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>