للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّصْفُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ ابْنِهِ لَا أَنْ يَزِيدَ نَصِيبُهُ عَلَى نَصِيبِ ابْنِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُوصَى لَهُ كَأَحَدِهِمْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِسَهْمٍ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ بَيَانُ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَمْتَنِعُ بِالْجَهَالَةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَكَانَ إلَيْهِمْ بَيَانُهُ سَوَّى هُنَا بَيْنَ السَّهْمِ وَالْجُزْءِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ فَحِينَئِذٍ يُعْطَى لَهُ السُّدُسُ، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ جَعَلَ السُّدُسَ لِمَنْعِ النُّقْصَانِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَجَعَلَهُ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَمْنَعُ النُّقْصَانَ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا فَهَذَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فَقَطْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ نَصِيبُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، وَهَذَا فِي عُرْفُهُمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ ثُلُثُ مَالِهِ)؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَتَضَمَّنُ السُّدُسَ فَيَدْخُلُ فِيهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ سُدُسُ مَالِي لَهُ السُّدُسُ) يَعْنِي سُدُسًا وَاحِدًا سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجْلِسَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ وَالْمُعَرَّفُ إذَا أُعِيدَ مُعَرَّفًا كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٦] لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ غَنَمِهِ وَهَلَكَ ثُلُثَاهُ لَهُ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يَهْلِكُ مَا هَلَكَ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى الْبَاقِي كَذَلِكَ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً وَلَنَا أَنَّ حَقَّ بَعْضِهِمْ يُمْكِنُ جَمْعُهُ فِي الْبَعْضِ الْمُتَعَيَّنِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَفِيهِ جَمْعٌ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ فَجَمَعْنَاهَا فِي الْبَعْضِ الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِدِرْهَمٍ أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِعَشَرَةِ أَرْؤُسٍ مِنْ الْغَنَمِ فَهَلَكَ ذَلِكَ الْجِنْسُ كُلُّهُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُسَمَّى فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ إذَا كَانَ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ بَقِيَّةِ مَالِهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا يَهْلِكُ الْهَالِكُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَنْ لَوْ اسْتَوَى الْحَقَّانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمًا عَلَى الْآخَرِ فَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ كَمَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دُيُونٌ وَوَصَايَا وَرَثَةٍ ثُمَّ هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْهَلَاكَ يُصْرَفُ إلَى الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ وَالْإِرْثُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا وَهُنَا الْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] فَيُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الْإِرْثِ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ حَقَّ الْوَرَثَةِ عَنْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ إذْ لَا يَسْلَمُ لِلْمُوصَى لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ الْبَعْضُ فِي الْمُضَارَبَةِ يُصْرَفُ الْهَلَاكُ إلَى الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ دُورًا لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابِهِ أَوْ بِثُلُثِ دُورِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ الثُّلُثُ وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالُوا هَذَا إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَالدَّرَاهِمِ لِمَا بَيَّنَّا وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الرَّقِيقِ وَالدُّورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْمُقَاسَمَةِ فِيهِمَا وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَنْ اجْتِهَادٍ عِنْدَهُمَا وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَضَاءِ بَلْ يَتَعَذَّرُ وَلَا قَضَاءَ هُنَا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ إجْمَاعًا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ السُّدُسِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُعْطَى لَهُ الثُّلُثُ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ. اهـ. هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً) بِأَنْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ فَأَوْصَى بِثُلُثِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ لِرَجُلٍ فَهَلَكَ صِنْفَانِ وَبَقِيَ صِنْفٌ وَاحِدٌ أَعْنِي بَقِيَ الْإِبِلُ أَوْ بَقِيَ الْبَقَرُ أَوْ بَقِيَ الْغَنَمُ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ) أَيْ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَالدَّرَاهِمِ) فَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْبَاقِي. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>