جَمْعُهُ جَبْرًا بِالْقَضَاءِ أَمْكَنَ جَمْعُهُ تَقْدِيرًا، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِدُونِ الْقَضَاءِ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْغَنَمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَلْفٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إيفَاءَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْكِنٌ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ بِأَحَدٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَثُلُثُ الْعَيْنِ وَكُلَّمَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ لَهُ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ) أَيْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دَفَعَ إلَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْعَيْنِ ثُمَّ كُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ دَفَعَ إلَيْهِ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَهُوَ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فِي الْحَقِيقَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَسْلَمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ مَزِيَّةً عَلَى الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي مُطْلَقِ الْحَالِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ وَبِاعْتِبَارِهِ تَنَاوَلَتْهُ الْوَصِيَّةُ فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ أَثْلَاثًا فَيُصَارُ إلَيْهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُوَ مَيِّتٌ لِزَيْدٍ كُلُّهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبِثُلُثِ مَالِهِ وَعَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ لَهَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ كَانَ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَمْرٍو لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ مَعْدُومًا مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ وَلَا يَسْلَمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ لَهُمَا وَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَبُطْلَانُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّ الْآخَرِ مِثَالُهُ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِفُلَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مِتّ وَهُوَ فَقِيرٌ فَمَاتَ الْمُوصِي وَفُلَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ غَنِيٌّ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلِعَبْدِ اللَّهِ إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ فِي الْبَيْتِ كَانَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ اسْتِحْقَاقِهِ لِفَقْدِ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَكَانَ الْحَرْفُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ ثُمَّ خَرَجَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ لَا يُوجِبُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَمَتَى لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِزَيْدٍ نِصْفُهُ) أَيْ إذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَعَمْرٌو مَيِّتٌ كَانَ لِزَيْدٍ نِصْفُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَيْنَ تُوجِبُ التَّنْصِيفَ فَلَا يَتَكَامَلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَيِّتٌ حَيْثُ يَكُونُ لِلْحَيِّ كُلُّ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى كَلَامٌ يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَالْمَذْكُورُ وَصِيَّةٌ بِكُلِّ الثُّلُثِ وَالتَّصْنِيفُ بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا زَالَتْ الْمُزَاحَمَةُ يَتَكَامَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ جَمِيعُ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ كُلَّهُ بَلْ نِصْفَهُ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: ٢٨] اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ بِدَلِيلِ {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥].
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ وَلَا مَالَ لَهُ لَهُ ثُلُثُ مَا يَمْلِكُ عِنْدَ مَوْتِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِشَخْصٍ وَلَا مَالَ لَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ فَيَشْتَرِطُ وُجُودَ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُوصَى بِهِ عَيْنًا أَوْ نَوْعًا مُعَيَّنًا. وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ بِنَوْعٍ مِنْ مَالِهِ كَثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا قَبْلَ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ اكْتَسَبَ غَنَمًا آخَرَ أَوْ عَيْنًا آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَاسْتَفَادَهَا ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ نَوْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطَى قِيمَةَ شَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الشَّاةَ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute