إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ» وَعَيْنُ الشَّاةِ لَا تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ مَالِيَّتُهَا فِيهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهَا إلَى الْمَالِ وَبِدُونِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ تُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا وَقِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ، وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهَا إلَى الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ كَالْبَقَرِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِمَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَهْمٌ لِلْفُقَرَاءِ وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ثَلَاثٌ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَخْمَاسًا فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ سَهْمٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَسَّمُ أَسْبَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١]، وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: ١١] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِالْآيَتَيْنِ اثْنَانِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ اثْنَانِ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً فَيُقَسَّمُ أَسْبَاعًا وَلَهُمَا أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَالْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِهِمَا الْجِنْسُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: ٥٢]، وَقَالَ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: ٣٠] وَلَا يَحْتَمِلُ مَا بَيْنَهُمَا فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى لِتَعَذُّرِ إرَادَةِ الْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدَةِ فَيُتَنَاوَلُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثٌ فَتَبْلُغُ السِّهَامُ خَمْسَةً وَلَيْسَ فِيمَا تَلِي دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَتَيْنِ نَكِرَةٌ وَكَلَامُنَا فِي الْمَعْرِفَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنَكَّرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ ثُمَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يَعْتِقْنَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَهُنَّ فِي الْعُرْفِ وَاَللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ مَوَالٍ لَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ، وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إلَيْهِنَّ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ عَدَمِ أُولَئِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَكُونُ أَوْلَى مِنْهُنَّ بِهَذَا الِاسْمِ وَلَا يُقَالُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَمْلُوكِهِ بِالْمَالِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ عِتْقًا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي لَمْ يَعْتِقْنَ حَالَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْوَصِيَّةُ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ لَهُنَّ لَمَلَكْنَهُ حَالَ نُزُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ لِكَوْنِ الْعِتْقِ وَالتَّمْلِيكِ مُعَلَّقَيْنِ بِالْمَوْتِ وَالْعِتْقُ يَنْزِلُ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ إمَاءٌ فَكَذَا تَمَلُّكُهُنَّ يَقَعُ وَهُنَّ إمَاءٌ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ لَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَمْلِيكَهُنَّ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ فَصُرِفَ إلَيْهِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْمَسَاكِينِ لِزَيْدٍ نِصْفُهُ وَلَهُمْ نِصْفُهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَالْمَسَاكِينِ كَانَ لِزَيْدٍ النِّصْفُ مِنْهُ وَلِلْمَسَاكِينِ النِّصْفُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُلُثُهُ لِزَيْدٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَأْخَذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ كَانَ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصْرِفُهُ إلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِمِائَةٍ لِرَجُلٍ وَبِمِائَةٍ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ وَبِأَرْبَعِمِائَةٍ لَهُ وَبِمِائَتَيْنِ لِآخَرَ فَقَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا كَانَ لَهُ نِصْفُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْله تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الْأُولَى لِاسْتِوَاءِ الْمَالَيْنِ فَيَأْخُذُ هُوَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ فَتَمَّ لَهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ وَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الْمِائَةِ وَلَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْكُلِّ فِي الثَّانِيَةِ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute