للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاةِ الثَّالِثِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا سَمَّاهُ لَهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ وَلِآخَرَ بِجَارِيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَتَيْنِ مُتَفَاوِتَةً كَانَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَهُ الثُّلُثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ فَيَكُونَانِ كَجِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهُمَا يَرَيَانِهَا فَصَارَتَا كَالدَّرَاهِمِ الْمُتَسَاوِيَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُك أَوْ أَدْخَلْتُك مَعَهُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ)، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَيَتَعَذَّرُ جَعْلُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ نَظِيرَ مَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيَّ شَيْئًا فَاعْطُوهُ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ رَأَى الْوَصِيُّ أَنْ يُعْطِيَهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ قَصْدَهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ فَيَسْعَى فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَيَجْعَلُهُ وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَاعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ فَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ فَكَذَا هَذَا فَيُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا) أَيْ مَعَ ذَلِكَ (عَزَلَ الثُّلُثَ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ وَقِيلَ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْوَصَايَا) أَيْ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا عَزَلَ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّ الْوَصَايَا حُقُوقٌ مَعْلُومَةٌ فِي الثُّلُثِ وَالْمِيرَاثُ مَعْلُومٌ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَقَدَّمْنَا عَزْلَ الْمَعْلُومِ وَفِي الْإِفْرَازِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ وَالْآخَرُ أَلَدُّ وَأَلَجُّ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَإِذَا أَفْرَزْنَا ثُلُثًا عَلِمْنَا أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَيُؤْمَرُ أَصْحَابُ الْوَصَايَا وَالْوَرَثَةِ بِبَيَانِهِ فَإِذَا بَيَّنُوا شَيْئًا أَخَذَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ وَالْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ كُلِّ فَرِيقٍ نَافِذٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ كُلُّ فَرِيقٍ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ هَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَرَثَةَ كَانُوا يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَهُنَا أَلْزَمَهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا أَخَذُوا الثُّلُثَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا تَسْتَغْرِقَ الثُّلُثَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ لَهُ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَ وَصِيَّتُهُ لِلْوَارِثِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثِهِ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِيمَا يَمْلِكُ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ حَيْثُ يَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَهُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ لَهُمَا وَالشَّرِكَةُ تُثْبِتُ حُكْمًا لِلتَّمْلِيكِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ لِأَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّمْلِيكِ مِنْ الْآخَرِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ كَائِنٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِوَصْفِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاضِي وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَلَا إلَى إثْبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَارِثُ فِيهِ شَرِيكًا، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ فَيَبْطُلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَقْبِضُ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا وَيُشَارِكُهُ الْوَارِثُ فِيهِ فَيَبْطُلُ حَتَّى يَبْطُلَ الْكُلُّ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَفِي الْإِنْشَاءِ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مُمْتَازَةٌ عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ بَقَاءً وَبُطْلَانًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ هَذَا إذَا تَصَادَقَا، أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الْأَجْنَبِيُّ شَرِكَةَ الْوَارِثِ أَوْ أَنْكَرَ الْوَارِثُ شَرِكَةَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ عِنْدَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ) وَلَوْ قَالَ هَكَذَا صَحَّ كَلَامُهُ وَيَكُونُ إنْفَاذُهُ مِنْ الثُّلُثِ لَا غَيْرُ فَكَذَا هَذَا لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ جَوَازُهَا مِنْ الثُّلُثِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ) فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَجْهُولٌ أَيْ قَوْلُهُ فَصَدَّقُوهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَلَا وَصِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَكِنَّهُ دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَصِيَّةٌ فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ اهـ (قَوْلُهُ حَلَفَ كُلُّ فَرِيقٍ) أَيْ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ) لَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>