مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَبُطْلَانِ حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْطُلُ فِي حَقِّهِ وَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيَبْطُلُ كَمَا بَيَّنَّا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ لِثَلَاثَةٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيًّا وَالْوَارِثُ يَقُولُ لِكُلٍّ هَلَكَ حَقُّك بَطَلَتْ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِثَلَاثَةِ ثِيَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ لِثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِثَوْبٍ فَضَاعَ مِنْهَا ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيُّهَا هُوَ وَالْوَارِثُ يَجْحَدُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَلَكَ حَقُّك أَوْ حَقُّ أَحَدِكُمْ وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَلَا أَدْفَعُ إلَيْكُمْ شَيْئًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ غَرَضِ الْمُوصِي فَتَبْطُلُ كَمَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يُسَلِّمُوا مَا بَقِيَ) أَيْ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِجَهَالَةٍ طَارِئَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا سَلَّمُوا الْبَاقِيَ زَالَ الْمَانِعُ فَعَادَتْ صَحِيحَةً عَلَى مَا كَانَتْ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلِذِي الْجَيِّدِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الرَّدِيءِ ثُلُثَاهُ وَلِذِي الْوَسَطِ ثُلُثُ كُلٍّ) أَيْ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ يُعْطَى ثُلُثَا الثَّوْبِ الْجَيِّدِ وَلِصَاحِبِ الرَّدِيءِ يُعْطَى ثُلُثَا الثَّوْبِ الرَّدِيءِ وَلِصَاحِبِ الْوَسَطِ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُصِيبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَا ثَوْبٍ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ إذَا قُسِّمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ صَاحِبُ الْوَسَطِ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْآخَرَانِ الثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ أَوْ الْوَسَطُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ أَوْ الرَّدِيءُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْجَيِّدُ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَيِّدُ الْأَصْلِيُّ أَوْ الْوَسَطُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْجَيِّدُ أَوْ الْوَسَطُ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الرَّدِيءُ وَصَاحِبُ الْوَسَطِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ أَجْوَدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ أَرْدَأَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيهِمَا حَقٌّ بِأَنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقَّهُ مِنْ مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بِإِيصَالِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَيْهِ وَاجِبَةٌ وَهُمْ فِي احْتِمَالِ بَقَاءِ حَقِّهِ وَبُطْلَانِهِ سَوَاءٌ وَفِيمَا قُلْنَا إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَتَحْصِيلُ غَرَضِ الْمُوصِي مِنْ التَّفْضِيلِ فَكَانَ مُتَعَيِّنًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِبَيْتِ عَيْنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ وَقُسِّمَ وَوَقَعَ فِي حَظِّهِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا مِثْلُ ذَرْعِهِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّ الدَّارَ تُقَسَّمُ فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ الْبَيْتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ نِصْفُ الْبَيْتِ إنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَبِمِلْكِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فَتَنْفُذُ فِي مِلْكِهِ وَيَتَوَقَّفُ الْبَاقِي عَلَى إجَازَةِ صَاحِبِهِ ثُمَّ إذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةٌ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّابِقَةُ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ إذَا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ عَيْنُ الْبَيْتِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا أَوْصَى بِهِ وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا فِي الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَنْفِيذِهَا فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا قُتِلَتْ تَنْفِيذًا لِوَصِيَّةٍ فِي بَدَلٍ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا تَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثَمَنِهِ.
؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْمَبِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْإِيصَاءَ بِمَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْكَمَالِ ظَاهِرًا، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ تَابِعٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ كُلَّهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُبَادَلَةً لَبَطَلَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَضَاعَ ثَوْبٌ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ) أَيْ مِنْ الثَّوْبَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّدِيءَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ) أَيْ مِنْ الثَّوْبَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) أَيْ الْجَيِّدَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute