بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا، ثُمَّ رَكِبَ وَالْفَرْقُ أَنَّ إحْرَامَ الرَّاكِبِ انْعَقَدَ مُجَوِّزًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِوَاسِطَةِ النُّزُولِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِيمَاءِ رُخْصَةً أَوْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَزِيمَةً، وَإِحْرَامُ النَّازِلِ انْعَقَدَ مُوجِبًا لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا نَزَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَآخِرَهَا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَصَارَ كَالْمَرِيضِ إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَةً اسْتَقْبَلَ لِأَنَّ قَبْلَ أَدَاءِ الرَّكْعَةِ مُجَرَّدَ تَحْرِيمَةٍ، وَهِيَ شَرْطٌ فَالشَّرْطُ الْمُنْعَقِدُ لِلضَّعِيفِ كَانَ شَرْطًا لِلْقَوِيِّ كَالطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى رَكْعَةً فَقَدْ تَأَكَّدَ فِعْلُ الضَّعِيفِ فَلَا يَبْنِي عَلَيْهِ الْقَوِيَّ كَمَا فِي الِاقْتِدَاءِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَزَلَ اسْتَقْبَلَ وَالنَّازِلَ إذَا رَكِبَ يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا كَانَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ فَإِذَا نَزَلَ لَزِمَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَإِذَا افْتَتَحَ نَازِلًا صَارَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِذَا رَكِبَ صَارَتْ بِالْإِيمَاءِ وَهُوَ أَضْعَفُ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُنَّ فِي رَمَضَانَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ وَالْخَتْمُ مَرَّةً وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ بِقَدْرِهَا) أَيْ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِقَدْرِ الْأَرْبَعَةِ الْكَلَامُ فِي التَّرَاوِيحِ فِي مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهَا وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَصًّا وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالثَّانِي فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهَا وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَعِنْدَ مَالِكٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَنَا مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَعَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِثْلَهُ فَصَارَ إجْمَاعًا وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ فُرَادَى كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالثَّالِثُ فِي وَقْتِهَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ إنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ وَقَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَقْتُهَا مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا مَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِشَاءَ صَلَّوْهَا بِلَا طَهَارَةٍ دُونَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ أَعَادُوا التَّرَاوِيحَ مَعَ الْعِشَاءِ دُونَ الْوِتْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَدَائِهَا بَعْدَ النِّصْفِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَصَارَ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ نَازِلًا، ثُمَّ رَكِبَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَعَنْ زُفَرَ يَبْنِي أَيْضًا اهـ ع.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ تَرْوِيحَتَيْنِ إمَامٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَعَمَلُ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي التَّرْوِيحَةَ الْوَاحِدَةَ إمَامَانِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ السَّلَفِ وَلَا يُصَلِّي إمَامٌ وَاحِدٌ التَّرَاوِيحَ فِي مَسْجِدَيْنِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَلَى الْكَمَالِ وَلَوْ فَعَلَ لَا يُحْتَسَبُ الثَّانِي مِنْ التَّرَاوِيحِ وَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُعِيدُوا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ إمَامِهِمْ نَافِلَةً وَصَلَاتُهُمْ سُنَّةٌ وَالسُّنَّةُ أَقْوَى فَلَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَمَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ مَحْسُوبٌ وَلَا بَأْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُتَطَوِّعِ بِمَنْ يُصَلِّي السُّنَّةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَعْدَهُ بِجَمَاعَةٍ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ سُنَّ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخَتْمِ إلَخْ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِجَمَاعَةٍ أَيْ يُسَنُّ بِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا اهـ ع (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ) أَيْ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ إلَخْ) هُوَ تَغْلِيبٌ إذَا لَمْ يَرِدْ كُلُّهُمْ بَلْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيًّا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ أَنَّ مَبْدَأَهَا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْقِيَامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا. اهـ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا بَلْ أَقَامَهَا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّاهَا لَيْلَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ تَرَكَ وَقَالَ أَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ» لَكِنَّ الصَّحَابَةَ وَاظَبُوا عَلَيْهَا فَكَانَتْ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ النَّافِلَةَ قِيلَ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلتَّرَاوِيحِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِعَمَلِ السَّلَفِ وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى بِمَنْ يُصَلِّي التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ قِيلَ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَّحِدَةٌ فَكَانَ نِيَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَغْوًا وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بِمُصَلِّي الْأَرْبَعِ قَبْلَهُ فَهَذَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) أَيْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي التَّقْدِيرِ بِعِشْرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُوَافِقَ الْفَرَائِضَ الِاعْتِقَادِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ كَالْوِتْرِ فَإِنَّهَا عِشْرُونَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) الظَّرْفُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ دُونَ الْوِتْرِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ حَتَّى أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتْبَعُ إمَامَهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَتْرُكَ السُّنَّةَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِعْلُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ إلَى آخِرِهِ) قُلْت لَوْ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ مُسْتَحَبًّا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ فِي أَدَائِهَا بِجَمَاعَةٍ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَدْرِيَّةِ أَنَّ نَفْسَ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ وَأَدَاؤُهَا بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبٌّ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا صَلَّوْا التَّرَاوِيحَ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوهَا ثَانِيًا يُصَلُّونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute