للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا فِي بَيْتِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَشْبَاهِهَا فَلْيُصَلِّهَا فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ». وَجْهُ الظَّاهِرِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا بِالْجَمَاعَةِ وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلِهَذَا يُرْوَى التَّخَلُّفُ عَنْ بَعْضِهِمْ كَابْنِ عُمَرَ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ وَنَافِعٍ وَنَفْسُ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ. وَالْخَامِسُ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ تَخْفِيفًا لِأَنَّ النَّوَافِلَ تُبْنَى عَلَى التَّخْفِيفِ فَيَكُونُ مِثْلُ أَخَفِّ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْرَأُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثِينَ آيَةً لِأَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَقَعُ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا فِيهَا ثَلَاثُ خَتْمٍ وَلِأَنَّ كُلَّ عُشْرٍ مَخْصُوصٍ بِفَضِيلَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَنَّهُ «شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنْ النَّارِ» وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ الْخَتْمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ رَجَاءَ أَنْ يَنَالُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَضَافَرَتْ عَلَيْهَا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ وَنَحْوِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ مَعَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ فِي الشَّهْرِ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٌ فَإِذَا قَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشْرًا يَحْصُلُ الْخَتْمُ وَلَا يَتْرُكُ الْخَتْمَ مَرَّةً لِكَسَلِ الْقَوْمِ بِخِلَافِ الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ حَيْثُ يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَخْتِمُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ فَقِيلَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاوِيحَ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً وَقِيلَ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا يَشَاءُ. وَالسَّادِسُ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ وَقَوْلُهُ وَبِجِلْسَةٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ يَشْمَلُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً حَيْثُ عَطَفَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلتَّوَارُثِ عَنْ السَّلَفِ وَلِأَنَّ اسْمَ التَّرَاوِيحِ يُنْبِئُ عَنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ وَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِجَمَاعَةٍ مَكْرُوهٌ. وَيَجُوزُ التَّرَاوِيحُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ. اهـ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آكَدُ مِنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَتِلْكَ لَا تُقْضَى فَكَذَا هَذِهِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَبِيرًا يُقْتَدَى بِهِ) أَيْ فَيَكُونُ فِي حُضُورِهِ الْمَسْجِدَ تَرْغِيبُ النَّاسِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا) أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هُنَا إشْكَالًا فَقَالَ كَيْفَ يَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمِنَ مِنْ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ؟. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ زِيَادَةُ الْأَوْقَاتِ وَنُقْصَانِهَا لَا زِيَادَةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَنُقْصَانِهَا، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ» (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مِثْلُ أَخَفِّ الْفَرَائِضِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ وَقَالَ الشَّهِيدُ هَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْخَتْمِ وَهُوَ سُنَّةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقْرَأُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا يُقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ إلَى آخِرِهِ) وَقِيلَ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٌ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ آيَتَانِ مُتَوَسِّطَتَانِ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ آيَتَانِ قُلْت وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا، وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ فَهَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا. اهـ. زَاهِدِي (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ إلَى آخِرِهِ). قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ مِنْ الرَّغْبَةِ وَالْكَسَلِ فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لَا يُوجِبُ تَنْفِيرَ الْقَوْمِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْضَلُ تَعْدِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي التَّرْوِيحَاتِ كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَعْدِلْ فَلَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْخَتْمُ فِيهَا مَرَّةً إلَى آخِرِهِ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ إحْدَى وَسِتِّينَ خَتْمَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةً وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ خَتْمَةً وَفِي كُلِّ التَّرَاوِيحِ خَتْمَةً. اهـ. فَتْحٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَشَيْءٍ) قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ جَمِيعُ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ آيَةً أَلْفٌ وَعْدٌ وَأَلْفٌ وَعِيدٌ وَأَلْفٌ أَمْرٌ وَأَلْفٌ نَهْيٌ وَأَلْفٌ قَصَصٌ وَأَلْفٌ خَبَرٌ وَخَمْسُمِائَةٍ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمِائَةٌ دُعَاءٌ وَتَسْبِيحٌ وَسِتَّةُ وَسِتُّونَ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّعَوَاتِ فِي التَّشَهُّدِ) حَيْثُ يَتْرُكُ إذَا عَرَفَ مِنْهُمْ الْمَلَلَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ وَلَا يَتْرُكُ السُّنَنَ لِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ وَالثَّنَاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالسَّادِسُ فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ سُنَنِهَا أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ صَلَّى تَرْوِيحَةً بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى أَصْلِ عُلَمَائِنَا أَنَّ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَةَ شَرْطٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ هَلْ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ الْمُتَوَارَثَةَ بِتَرْكِ التَّسْلِيمَةِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ إنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِجَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا؛ لِأَنَّ تَجْدِيدَ التَّحْرِيمَةِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا هَذَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>