أَخٌ فَأَقَرَّ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ لَا يَزِيدُ حَقُّهُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ لَسَاوَاهُ حَالَةَ الِانْفِرَادِ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ ثَالِثٍ، وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ حَيْثُ يَكُونُ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْمُسَاوَاةِ فَيُسَاوِيهِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ أَيْضًا سَاوَاهُ فَيَكُونُ مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ هَالِكًا عَلَيْهِمَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَخَرَجَا مِنْ ثُلُثِهِ فَهُمَا لَهُ وَإِلَّا أَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ مِنْهُ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدَ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَهَا حَتَّى تَقْضِيَ بِهِ دُيُونَهُ، وَتُنَفِّذَ مِنْهُ وَصَايَاهُ دَخَلَ الْوَلَدُ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأُمِّ أَوَّلًا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَا يَأْخُذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ.
كَمَا إذَا أَوْصَى بِبَيْعِهَا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ أَوْ عَتَقَهَا فَوَلَدَتْ وَكَمَا إذَا وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ حَتَّى يُبَاعَ أَوْ يَعْتِقَ مَعَهَا وَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ الْأُمِّ كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِهِمَا جَمِيعًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدَ تَبَعٌ فِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا تُنْتَقَضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ لَا يُقَابِلُ الْأَصْلَ بَلْ بَعْضَهُ ضَرُورَةَ مُقَابِلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا بِيعَا بِالثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي أَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ.
وَقُبِضَ الْوَلَدُ مَعَ الْأُمِّ، وَذَلِكَ لَا يُبَالَى بِهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي النَّقْضِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي مُحَابَاةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ هَذَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَهُمَا فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ خَالِصًا لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَهُمَا وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَمَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا يَصِيرُ مُوصًى بِهِ حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا إذَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ بَطَلَ كَهِبَتِهِ وَإِقْرَارِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ لِابْنِهِ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ لَهُ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالدَّيْنِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ وَهُوَ وَارِثٌ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَالْهِبَةُ حُكْمُهَا مِثْلُ الْوَصِيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَافِرًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ وَارِثٌ بِسَبَبٍ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ إيثَارِ الْبَعْضِ فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَأَقَرَّ لِأَخِيهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ أَبِيهِ الْمُقِرِّ وَوَرِثَهُ أَخُوهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لَهُ يَكُونُ بَاطِلًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَارِثَةً بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَالْإِقْرَارُ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ حَالَ صُدُورِهِ فَيَلْزَمُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ عِنْدَهُ فَلِهَذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَافْتَرَقَ فِي الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ قَائِمَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ غَيْرُ وَارِثَةٍ بِأَنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أَعْتَقَتْ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لَهُ وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ وَقِيلَ الْهِبَةُ لَهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ فَيَقَعُ لِلْمَوْلَى وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute