للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاهِدًا لِلْوَرَثَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ فَيَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ سِوَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَالْمُوصَى لَهُ خَصْمٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ حَقَّهُ، وَكَذَا الْعَبْدُ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ خَصْمًا فِيهِ لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ الْعِتْقَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ بِذَلِكَ خَصْمًا وَهُوَ نَظِيرُ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَفِيهِ الْمَقْذُوفُ فَيَكُونُ خَصْمًا بِذَلِكَ، وَكَذَا السَّرِقَةُ الْحَدُّ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِرْدَادُ الْمَالِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُومَتِهِ حَتَّى يُقْطَعَ السَّارِقُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ (وَالْعَبْدُ عِتْقًا) أَيْ فِي الصِّحَّةِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ (فَصَدَّقَهُمَا الْوَارِثُ سَعَى فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ إلَى الْغَرِيمِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَالْعِتْقُ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ دَيْنٌ وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَصَارَ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ نَفْسِهِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ دَيْنًا وَعَبْدُهُ عِتْقًا فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ فِي مَرَضِهِ صَدَّقْتُمَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيُسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَكَذَا هَذَا وَقَضِيَّةُ الدَّفْعِ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، وَقَالَ آخَرُ هَذَا الْأَلْفُ لِي كَانَ لِي عِنْدَهُ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا هُمَا سَوَاءٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْكَيْسَانِيُّ فَقَالَ

لَوْ تَرَكَهُ أَلْفًا وَهَذَا يَدَّعِي ... دَيْنًا وَذَاكَ قَالَ هَذَا مُودَعِي

وَالِابْنُ قَدْ صَدَّقَ هَذَيْنِ مَعًا ... اسْتَوَيَا وَأُعْطِيَا مَنْ أَوْدَعَا

وَجْهُ قَوْلِ مَنْ يُقَدِّمُ الْوَدِيعَةَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ ثَبَتَتْ فِي عَيْنِ الْأَلْفِ وَالدَّيْنُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ الْوَدِيعَةُ أَسْبَقَ فَكَانَ صَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُورَثُ حَيًّا فَقَالَ صَدَّقْتُمَا، وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا مَعَ الدَّيْنِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ فَيَتَحَاصَّانِ فِيهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُورَثِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالدَّيْنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَبِالْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَيَكُونُ صَاحِبُهَا أَوْلَى لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا وَإِقْرَارُ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ عَيْنَ التَّرِكَةِ كَإِقْرَارِهِ الْوَدِيعَةِ يَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ فَافْتَرَقَا وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَّفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَجَعَلَ الْأَصَحَّ خِلَافَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ وَإِنْ أَخَّرَهَا كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ)؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ مِنْ النَّفْلِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبِدَايَةُ بِالْأَهَمِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا بَدَأَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمَرْءِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ نَصًّا فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِهِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَتُقَدَّمُ الزَّكَاةُ عَلَى الْحَجِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْحَجَّ يُقَدَّمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ فَقَطْ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَى الْكَفَّارَةِ لِرُجْحَانِهِمَا عَلَيْهَا.

؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهِمَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣٤] وَقَالَ تَعَالَى {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ} [التوبة: ٣٥]، وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧] مَكَانَ قَوْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِمَا وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ الْيَمِينِ) فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَأَعْتَقَهُ فِي الْمَرَضِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>