بَدَلَ بِغَيْرِهِمْ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي، وَيَسْتَبْدِلُ غَيْرَهُمْ مَكَانَهُمْ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُمْ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ، وَقِيلَ فِي الْكَافِرِ بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجِ أَنَّ أَصْلَ النَّظَرِ ثَابِتٌ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ حَقِيقَةً، وَوِلَايَةِ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا، وَوِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ النَّظَرُ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ مَوْلَاهُ، وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا، وَالْمُعَادَاةُ الدِّينِيَّةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَاتِّهَامِ الْفَاسِقِ بِالْخِيَانَةِ فَيُخْرِجُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُمْ مَقَامَهُمْ إتْمَامًا لِلنَّظَرِ، وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُذْرًا فِي إخْرَاجِهِ، وَتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ فِي مَنَافِعِهِ كَالْحُرِّ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْقِنِّ، وَالصَّبِيُّ كَالْقِنِّ فَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَعَتَقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ لَمْ يُخْرِجْهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْوَصِيَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَى عَبْدِهِ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ صَحَّ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ، وَوَرَثَتُهُ صِغَارٌ جَازَ الْإِيصَاء إلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مُنْعَدِمَةٌ لِمَا أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِيهَا، وَلِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَذَا قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ الصَّادِرَةَ مِنْ الْأَبِ لَا تَتَجَزَّأُ، وَفِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ تَجْزِئَتُهَا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ النَّظَرِ فَلَا مُنَافَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ أَوْ الْإِيصَاءُ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِدُّ بِالتَّصَرُّفِ إذْ كَانَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلصِّغَارِ مَنْعُهُ بَعْدَ مَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ، وَكَذَا لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَإِيصَاءُ الْمَوْلَى إلَيْهِ يُؤْذِنُ بِكَوْنِهِ نَاظِرًا لَهُمْ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ، وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَكُونُ فِي الدَّيْنِ، وَالْآخَرُ فِي الْعَيْنِ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ خَاصَّةً أَوْ نَقُولُ يُصَارُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى إبْطَالِ أَصْلِهِ، وَتَغْيِيرُ الْوَصْفِ بِإِبْطَالِ عُمُومِ الْوِلَايَةِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَصْلِ الْإِيصَاءِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ مُضْطَرِبٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ بَاطِلَةٌ إلَخْ) ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُسْلِمِ يُوصِي إلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ إنْ أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَ مَوْلَاهُ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ إلَى ذِمِّيٍّ أَوْ إلَى حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ غَيْرِ مُسْتَأْمَنٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَلَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ مُتَّهَمٍ مَخُوفٍ عَلَى مَالِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَعْنَى الْبُطْلَانِ أَنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا أَمْ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَفِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بَاطِلٌ أَصْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ وَالرِّقَّ مُنَافٍ لِلْوِلَايَةِ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوصِي لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لِمَوْلَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَتِهِ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِعَارَةِ مِنْهُ لِلْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فَإِذَا رَجَعَ عَنْهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ التَّصَرُّفِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ فَلِأَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْوَصِيِّ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَلَا وِلَايَةَ لِلذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْوِصَايَةِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ إلَيْهِ لَا تُتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِرْثِ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوَصِيَّةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ رَقَبَتِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ مِثْلُ وِلَايَةِ الْمُوصِي لِكَوْنِ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ مُسْتَفَادَةً مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي ثُمَّ وِلَايَةُ الْمُوصِي وَهُوَ الْأَبُ لَيْسَتْ بِمُتَجَزِّئَةٍ حَيْثُ لَا يُقَالُ إنَّ وِلَايَتَهُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَوِلَايَةُ الْعَبْدِ مُتَجَزِّئَةٌ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَاتِ وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَ نَفْسِهِ وَهَذَا نَقَضَ الْمَوْضُوعَ فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا أَيْ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ الْوَصِيَّةُ إلَى عَبْدِ نَفْسِهِ وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ تَجْزِئَةُ الْوِلَايَةِ وَفِيهَا تَجْزِئَةُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلِي بَيْعَ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي بَيْعِ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ) احْتَرَزَ بِالْمُخَاطَبِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ الْإِيصَاءَ إلَيْهِمَا لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْتَبِدِّ عَنْ الْإِيصَاءِ إلَى عَبْدِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْدَادَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَعَنْ عَبْدِ نَفْسِهِ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَحْجُرَهُ وَيَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْهُ فَلَا يَبْقَى الِاسْتِبْدَادُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْوِصَايَةُ قَدْ تَتَجَزَّأُ) هَذَا جَوَابٌ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي اعْتِبَارِهِ تَجْزِئَتُهَا وَقَوْلُهُ أَوْ نَقُولُ إلَخْ يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَتَجَزَّأُ لَكِنْ إنَّمَا صِرْنَا إلَى التَّجَزِّي كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْصَى إلَيْهِ خَاصَّةً) وَالظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمُ التَّجَزِّي فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيًّا فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٌ فِيهِ مُضْطَرِبٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ يُرْوَى مَرَّةً مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَارَةً مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَلَنَا فِي هَذَا الْقِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكِبَارَ الثِّقَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute