للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا بِأَنْ كَانَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ كِبَارًا لَا يَجُوزُ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَمْنَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ فَيَمْنَعَهُ الْمُشْتَرِي فَيَعْجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ فَلَا يُفِيدُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْمُوصِي، وَحَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَهُوَ أَمِينٌ فِيهِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُ كَانَ دُونَهُ فَكَانَ إبْقَاؤُهُ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُدِّمَ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَا إذَا شَكَتْ الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْمُوصَى إلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمَيِّتِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فَأَتَتْ الْأَمَانَةُ، وَالْمَيِّتُ إنَّمَا اخْتَارَهُ لِأَجْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ بَعْدَ فَوَاتِهَا، وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فَيَنُوبُ الْقَاضِي مَنَابَهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَيُقِيمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَأَنَّهُ مَاتَ، وَلَا وَصِيَّ لَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ.

وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الصَّفَّارِ.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَهُمَا مُتَفَرِّقًا حَيْثُ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ ضَمَّ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ دَلِيلٌ عَلَى عَجْزِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَحْدَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الثَّانِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِشْرَاكُ مَعَ الْأَوَّلِ.

وَهُوَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَمْلِكُ إشْرَاكَ الثَّانِي مَعَهُ، وَقَدْ يُوصِي الْإِنْسَانُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ مَقْصُودِهِ وَحْدَهُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهِ غَيْرَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْإِيصَاءِ إلَيْهِمَا مَعًا، وَلَا كَذَلِكَ الْوَكَالَةُ فَإِنَّ رَأْيَ الْمُوَكِّلِ قَائِمٌ، وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ عَاجِزًا لَبَاشَرَ بِنَفْسِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَمَّا وَكَّلَ عَلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَثْبُتُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ الْوِصَايَةَ سَبِيلُهَا الْوِلَايَةُ، وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَزَّأُ فَتَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ لِلْأَخَوَيْنِ.

وَهَذَا لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ الْخِلَافَةُ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ ثَابِتًا لِلْمُوصِي، وَقَدْ كَانَتْ بِوَصْفِ الْكَمَالِ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُوصِي إيَّاهُمَا يُؤْذِنُ بِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّفَقَةِ فَصَارَ كَمَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ فَيُرَاعَى وَصْفُ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ وَصْفُ الِاجْتِمَاعِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ إذْ رَأْيُ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كُلَّهُمْ ذَكَرُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ بِلَا اضْطِرَابٍ كَالطَّحَاوِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَأَبِي اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَالْقُدُورِيِّ فِي التَّقْرِيبِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ لِلْكَافِي وَصَاحِبِ الْمَنْظُومَةِ فِيهَا وَفِي شَرْحِهَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ وَإِذَا أَوْصَى إلَى عَبْدِهِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ إلَيْهِ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَى عَبْدِهِ أَرَأَيْت لَوْ كَبِرَ الصِّغَارُ أَمَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ الْكَافِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْقِيَاسُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ) أَيْ عَجْزَهُ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْوَصِيَّةِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

(فَرْعٌ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَوْصِيَاءُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ مُضْطَلِعٌ لِلْقِيَامِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَوَصِيٌّ مَأْمُونٌ غَيْرُ مُضْطَلِعٍ لِلْقِيَامِ بِهِ أَيَّدَهُ الْحَاكِمُ بِهِ وَوَصِيٌّ مَخُوفٌ عَلَى مَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ فَيُخْرِجُهُ الْحَاكِمُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَيُقِيمُ فِيهَا مَنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ) وَهُوَ وَصِيُّ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إبْقَاؤُهُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ فِي إبْقَائِهِ إلَخْ

(قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ) أَيْ إلَّا فِي أَشْيَاءَ مَعْدُودَةٍ سَتَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ) وَكَانَ أَبُو مُوسَى الرَّازِيّ يَقُولُ هَكَذَا وَكَانَ يَسْتَدِلُّ بِمَسْأَلَةٍ فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ أَنَّ جَارِيَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا فَإِنْ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ إلَى رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَا جَمِيعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ دُونَ الْآخَرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فَقَدْ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافَ وَإِنْ كَانَ أَوْصَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى رَجُلٍ عَلَى حِدَةٍ قَالَ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فَإِذًا ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا مَعًا) أَيْ إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>