للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَرَأْيِ الْمُثَنَّى، وَلَمْ يَرْضَ الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي هَذَا السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ فَكَانَ بَاطِلًا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ.

لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ الْقَرَابَةُ، وَقَدْ قَامَتْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

كَمَلًا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفْءٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهَا هُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ، وَلِهَذَا بَقِيَ مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ فَفِي الْوَلِيَّيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ، وَفِي الْوَصِيَّيْنِ اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ نَظِيرُ الْأَوَّلِ إيفَاءُ دَيْنٍ عَلَيْهِمَا، وَنَظِيرُ الثَّانِي اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُمَا حَيْثُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ.

وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا، وَهُوَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ.

وَأَخَوَاتُهَا فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَرِ، وَالرُّفْقَةُ فِي السَّفَرِ (وَحَاجَةِ الصِّغَارِ وَالِاتِّهَابِ لَهُمْ) لِأَنَّهُ يُخَافُ هَلَاكُهُمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ، وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ إحْيَاءٌ لِلصِّغَارِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (وَرَدِّ وَدِيعَةِ عَيْنٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَمْلِكُهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِخِلَافِ اقْتِضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَعِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ، وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَرَدُّ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.

وَكَذَا حِفْظُ الْمَالِ كُلُّ ذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَعِتْقِ عَبْدٍ عُيِّنَ) لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَالْخُصُومَةِ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهِ مُتَعَذَّرٌ، وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا، وَمِنْ أَخَوَاتِهَا بَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ الْمَالِ، وَجَمِيعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ لَا تَخْفَى، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا جَعَلَ الْقَاضِي مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ.

أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحْقِيقُ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَصَّى الْوَصِيُّ وَصِيَّ التَّرِكَتَيْنِ) أَيْ إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ، وَأَوْصَى إلَى غَيْرِهِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَكُونُ وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ، وَلَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَوَصِيِّ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا فِي مَالِ الْوَكِيلِ خَاصَّةً دُونَ مَالِ الْمُوَكِّلِ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي مِثْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَلَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُضَارِبَ فَكَذَا الْوَصِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْمُوصَى إلَيْهِ، وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ، وَلَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَمَّا لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ بَلْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْجَدُّ، وَيَنْعَزِلُ هُوَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ الْوِلَايَةُ مَلَكَ الْإِيصَاءَ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِلَايَةَ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُوصِي تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ، وَإِلَى الْوَصِيِّ فِي الْمَالِ ثُمَّ الْجَدُّ قَامَ مَقَامَ الْأَبِ فِيمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِيصَاءَ فِيهِ فَكَذَا الْوَصِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِيمَا لَهُ وِلَايَةٌ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ فَيُنَزَّلُ الثَّانِي مَنْزِلَتَهُ فِي التَّرِكَتَيْنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ بَلْ وَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَقَالَ فِي غَيْرِ التَّجْهِيزِ وَشِرَاءِ الْكَفَنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَثَّلَ شِرَاءَ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا يُبْتَنَى عَلَى الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَمَعَهُ مَالٌ فَكَفَّنُوهُ وَدَفَنُوهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاتِّهَابُ لَهُمْ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ وَلِأَنَّهُ تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوْ جُنَّ أَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا إذَا أَوْصَى الْوَصِيُّ إلَى الثَّانِي فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَالثَّانِي وَصِيُّهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْ تَرِكَةَ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا صَارَ الثَّانِي أَيْضًا وَصِيَّهُمَا وَفِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَكُونُ لِلثَّانِي خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ وَصِيًّا لِلْأَوَّلِ فَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْأَوَّلِ جَازَ ذَلِكَ وَهُوَ طَرِيقُ الِاسْتِحْسَانِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا أَوْصَى إلَيْهِ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَعِيشُ أَبَدًا وَلَمْ يُحِبَّ أَنْ تَكُونَ أُمُورُهُ ضَائِعَةً فَصَارَ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِأَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ.

وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ فَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِالْإِفْصَاحِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ بِالدَّلَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ) أَيْ مِنْ الْمَيِّتِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ (قَوْلُهُ تَنْتَقِلُ إلَى الْجَدِّ فِي النَّفْسِ) حَتَّى كَانَ لَهُ تَزْوِيجُ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي التَّرِكَتَيْنِ) مَالُ نَفْسِهِ الَّذِي يَتْرُكُهُ وَتَرِكَةُ مُوصِيهِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>