للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَعَانَ بِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْمَنِيَّةُ صَارَ رَاضِيًا بِإِيصَائِهِ إلَى غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْمَوْتِ قَبْلَ تَتْمِيمِ مَقْصُودِهِ، وَهُوَ تَلَافِي مَا فَرَّطَ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ بِنَفْسِهِ فَلَمْ تُوجَدْ دَلَالَةُ الرِّضَا بِالتَّفْوِيضِ إلَى غَيْرِهِ بِتَوْكِيلٍ أَوْ إيصَاءٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ عَنْ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ عَكَسَ لَا) أَيْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ، وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يَرُدَّ بِالْعَيْبِ وَيَرُدّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرَ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ، وَالْوَصِيُّ أَيْضًا خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فَيَكُونُ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَنَفَذَتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ، وَقَدْ هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَيْسَ لَهُ، أَنْ يُشَارِكَ الْمُوصَى لَهُ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلِهَذَا لَا يَرُدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ مَا أُفْرِزَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيِّ كَانَ لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَمْ تَنْفُذْ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي التَّرِكَةِ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ كِبَارًا أَوْ صِغَارًا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْبَيْعِ فِي مَالِ الصِّغَارِ، وَالْقِسْمَةُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْكِبَارِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ لِلْحِفْظِ إلَّا الْعَقَارَ فَإِنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، وَهَذَا فِي مَعْنَى الْبَيْع فَلَا يَضْمَنُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ رَجَعَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ، وَأَخَذَ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ فَضَاعَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ رَجَعَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فَيَرْجِعُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَيَأْخُذُ ثُلُثَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ هَلَكَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ ثُلُثِ مَا قَبَضُوا، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَصِيَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَالْوَرَثَةَ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيَّهمَا شَاءَ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ فَقَاسَمَ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ فَهَلَكَ مَا فِي يَدِ الْوَصِيِّ يَحُجُّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ فَضَاعَ مَا دَفَعَ إلَيْهِ يَحُجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ الْبَاقِي، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْمُفْرَزُ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْجَمِيعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحُجُّ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي وَأَخْذُهُ حَظِّ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ) أَيْ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ تَصِيرُ الْوَصِيَّةُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَالْقَاضِي نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ، وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ، وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَصَحَّ حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ، وَلَا عَلَى الْقَاضِي، وَهَذَا فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ عَنْ الْوَرَثَةِ جَائِزَةٌ) أَيْ إذَا كَانُوا صِغَارًا أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ كَبِيرًا غَائِبًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا إذَا قَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فِي الْعَقَارِ أَوْ فِي الْعُرُوضِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمَوْرُوثِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ جَارِيَةً ثُمَّ مَاتَ وَاسْتَوْلَدَهَا وَارِثُهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْجَارِيَةُ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ خَلِيفَةَ الْمَيِّتِ لَمَا ثَبَتَتْ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ بَاعَهَا الْمُوَرِّثُ مِنْ آخَرَ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ بَائِعِهِ حَتَّى يَكُونَ غُرُورُهُ كَغُرُورِهِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ مَعَ مُوَرِّثِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ قَاسَمَ الْوَرَثَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَقَسَمَهُمَا وَالْمُوصَى لَهُ غَائِبٌ فَقِسْمَتُهُ جَائِزَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَتْ قِسْمَةُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْأَمْوَاتِ وَالْغُيَّبِ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّصَرُّفِ بِأَنْفُسِهِمْ وَمِنْ النَّظَرِ أَنْ يُفْرِزَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فَإِنْ هَلَكَ نَصِيبُهُ فِي يَدِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي حَيْثُ جَازَتْ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ حَيْثُ لَا تَجُوزُ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَكَانَ قِسْمَتُهُ كَقِسْمَةِ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُوصَى لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ أَصْلًا فَلَمْ تَنْفُذْ قِسْمَتُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِحَجَّةٍ إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي نَسَمَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَوْهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْتِقَ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتِقُوا مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فِي أَيْدِيهِمْ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ مَيَّزَ الثُّلُثَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ هَلَكَ مِنْ الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْقَاضِي إذَا دَفَعَ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ نَصِيبَهُ لَمْ تَتَكَامَلْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَلَا يَصْلُحُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْغَائِبِ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ قَبُولَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>