للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلصَّبِيِّ فِيمَا ادَّعَاهُ الْأَبُ لَهُ مِلْكٌ وَلَا مَعْنَى الْمِلْكِ، وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْأَخْذِ فَكَانَ مُحَصِّلًا لَهُ مَالًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مِلْكِ الصَّبِيِّ شَيْئًا بِمُقَابِلَتِهِ فَكَانَ نَفْعًا مَحْضًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمِثْلِ، وَبِأَقَلِّ قَدْرِ مَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي مَعْنَى الْمِلْكِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَوَصِيُّ الْأَبِ فِي هَذَا كَالْأَبِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي فَبَرْهَنَ أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي فَشَهِدَ تُقْبَلُ) وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَايَ هَذَا الْحَقَّ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ بَيِّنَتَهُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِهِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيت، وَكَذَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي عِنْدَ فُلَانٍ شَهَادَةٌ ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَشَهِدَ لَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ الْخَفَاءِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُنَاقَضَةَ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى ثَابِتَةٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، وَنَفْيُ الْحُجَّةِ فِي هَذَا كَنَفْيِ الشَّهَادَةِ لَا كَنَفْيِ الْحَقِّ حَتَّى إذَا قَالَ لَا حُجَّةَ لِي عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَتَى بِحُجَّةٍ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَقُولُ نَسِيَتْ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ، وَكُلُّ إقْرَارٍ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ لِغَيْرِهِ حَقًّا كَانَ لَغْوًا، وَلِهَذَا تَصِحُّ دَعْوَى الْمُلَاعِنِ نَسَبَ وَلَدٍ نَفَى بِلِعَانِهِ نَسَبَهُ لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْإِمَامِ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَقْطَعَ إنْسَانًا مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ

مَصْلَحَةً

لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْحِقَ ضَرَرًا بِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ

مَصْلَحَةٌ

لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَالْإِمَامُ الَّذِي وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَكَانَ فِيهِ مِثْلَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَ مَالَهُ صَحَّ) أَيْ جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا بَاعَ بِاخْتِيَارِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ كَالْمَدِينِ إذَا حُبِسَ بِالدَّيْنِ فَبَاعَ مَالَهُ لِيَقْضِيَ بِثَمَنِهِ دَيْنَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْكُرْهُ فِي الْإِيفَاءِ لَا فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي التَّسْعِيرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (خَوَّفَهَا بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ يَصِحَّ إنْ قَدِرَ عَلَى الضَّرْبَ) لِأَنَّهَا مُكْرَهَةٌ عَلَيْهِ إذْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ شَرْطٌ فِي تَمْلِيكِ الْأَمْوَالِ وَالرِّضَا يَنْتَفِي بِمِثْلِهِ فَلَا يَصِحُّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْخُلَعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَا يَسْقُطُ الْمَالُ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ إذْ الرِّضَا شَرْطٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا عَلَى الزَّوْجِ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ لِلزَّوْجِ لَا يَصِحُّ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ عِنْدَ مَوْتِهَا فَيُرَدُّ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَرْهُونَ أَوْ وَهَبَهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (اتَّخَذَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ بَالُوعَةً فَنَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهِ، وَطَلَبَ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَلِأَنَّ هَذَا تَسْبِيبٌ، وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَاِتِّخَاذُ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ لَيْسَ بِتَعَدٍّ فَلَا يَضْمَنُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ بِمَالِهِ بِإِذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا، وَالنَّفَقَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهَا، وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَيَنْتَقِلُ الْفِعْلُ إلَيْهَا فَتَكُونُ كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَمَرَتْهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَوِّعٍ فِي الْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِنَفْسِهِ بِلَا إذْنِهَا فَلَهُ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ كَانَتْ الْعِمَارَةُ لَهُ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا مِلْكُهُ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ، وَيَكُونُ غَاصِبًا لِلْعَرْصَةِ، وَشَاغِلًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إنْ طَلَبَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهَا بِلَا إذْنِهَا فَالْعِمَارَةُ لَهَا، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) أَيْ إذَا عَمَرَهُ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا كَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَكْرَهَهَا إلَخْ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا عَلَى قَبُولِ الْخُلْعِ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ بِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ إلَّا إذَا قُرِئَ إذَا أُكْرِهَا عَلَى الْخُلْعِ أَيْ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَيْ أَكْرَهَهُمَا إنْسَانٌ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ بِهِ) أَيْ بِالْإِكْرَاهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَحَالَتْ إنْسَانًا) أَيْ أَحَالَتْ بِمَهْرِهَا أَمَّا إذَا أَطْلَقَتْ الْحَوَالَةَ ثُمَّ وَهَبَتْ الْمَهْرَ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ بِهِ حَتَّى مَاتَ الْمُحِيلُ فَالْمُحْتَالُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِي الدَّيْنِ الْمُحْتَالِ بِهِ وَقَالَ زُفَرُ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُحْتَالُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>