للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبِنَاءُ لَهَا، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْبِنَاءِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَقَدْ مَلَكَتْهُ هِيَ بِرِضَاهُ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَخَذَ غَرِيمَهُ فَنَزَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ النَّازِعُ إذَا هَرَبَ الْغَرِيمُ لِأَنَّ النَّزْعَ تَسْبِيبٌ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ هُرُوبُهُ فَلَا يُضَافُ إلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا إذَا حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ فَإِنَّ الْحَالَّ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ مُخْتَارًا، وَكَدَلَالَةِ السَّارِقِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الدَّالَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ السَّرِقَةِ لَا بِالدَّلَالَةِ، وَكَمَنْ أَمْسَكَ هَارِبًا مِنْ عَدُوٍّ حَتَّى قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فَإِنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَكَذَا هَذَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي يَدِهِ مَالُ إنْسَانٍ فَقَالَ لَهُ سُلْطَانٌ ادْفَعْ إلَيَّ هَذَا الْمَالَ، وَإِلَّا أَقْطَعْ يَدَك أَوْ أَضْرِبْك خَمْسِينَ فَدَفَعَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ لَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ أَيَّهمَا شَاءَ الْمَالِكُ إنْ كَانَ الْآخِذُ مُخْتَارًا، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُكْرِهِ فَقَطْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَعَ مِنْجَلًا فِي الصَّحْرَاءِ لِيَصِيدَ بِهِ حِمَارَ وَحْشٍ، وَسَمَّى عَلَيْهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَوَجَدَ الْحِمَارَ مَجْرُوحًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَهُوَ كَالنَّطِيحَةِ أَوْ الْمُتَرَدِّيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُرِهَ مِنْ الشَّاةِ الْحَيَاءُ وَالْخُصْيَةُ وَالْغُدَّةُ وَالْمَثَانَةُ وَالْمَرَارَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَالذَّكَرُ) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ «كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدَّمُ حَرَامٌ، وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣] الْآيَةَ فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ، وَكَرِهَ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُئِلَ عَنْ الْقُنْفُذِ فَتَلَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: ١٤٥] الْآيَةَ فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ «ذُكِرَ الْقُنْفُذُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ» ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الْغَائِبِ وَالطِّفْلِ وَاللَّقَطَةِ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ فَلَا يَفُوتُ الْحِفْظُ بِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ اسْتِخْلَاصِ ذَلِكَ فَيَكُونُ تَضْيِيعًا إلَّا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ إذَا أَنْشَدَ اللَّقَطَةَ، وَمَضَى مُدَّةَ النِّشْدَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْإِقْرَاضُ مِنْ فَقِيرٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَازَ فَالْقَرْضُ أَوْلَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (صَبِيٌّ حَشَفَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ ظَنَّهُ مَخْتُونًا وَلَا يُقْطَعُ جِلْدَةُ ذَكَرِهِ إلَّا بِتَشْدِيدٍ تُرِكَ كَشَيْخٍ أَسْلَمَ وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ لَا يُطِيقُ الْخِتَانَ) لِأَنَّ قَطْعَ جِلْدَةِ ذَكَرِهِ لِتَنْكَشِفَ الْحَشَفَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ ظَاهِرَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَتْ تُوَارِي الْحَشَفَةَ يُقْطَعُ الْفَضْلُ، وَلَوْ خُتِنَ، وَلَمْ يُقْطَعُ الْجَلْدَةُ كُلُّهَا يُنْظَرُ فَإِنْ قُطِعَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ يَكُونُ خِتَانًا لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَإِنْ قُطِعَ النِّصْفُ فَمَا دُونَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ الْخِتَانِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهِ يُحَارِبُهُمْ الْإِمَامُ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَعُذْرُ الشَّيْخِ الَّذِي لَا يُطِيقُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَيُتْرَكُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَقْتُهُ سَبْعُ سِنِينَ) أَيْ وَقْتُ الْخِتَانِ سَبْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَوْ عَلَى الْآخِذِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لِإِنْسَانٍ اهـ

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَذْبَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَجْرَحَهُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَجْرَحَهُ إنْسَانٌ أَوْ يَذْبَحَهُ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْيَوْمِ الثَّانِي وَقَعَ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الذَّبَائِحِ وَفِي الْأَصْلِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ شَرْطٌ وَفِي الِاصْطِيَادِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالرَّمْيِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ لِأَخْذِ الظَّبْيِ تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْوَضْعِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَضَعَ مِنْجَلًا لِيَصِيدَ حِمَارَ الْوَحْشِ ثُمَّ وَجَدَ حِمَارَ الْوَحْشِ مَجْرُوحًا بِهِ مَيِّتًا لَا يَحِلُّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ لِمَا أَنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ النَّصْبِ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ.

قُلْت وَمَسْأَلَةُ الْمَتْنِ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ صَرِيحَةٌ فِي غَيْبَةِ الصَّائِدِ لِقَوْلِهِ فَجَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ مُحْتَمَلَةٌ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَإِذَا نَصَبَ الْحَدِيدَةَ إلَخْ مُنَاقِضَةً لِمَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ حَمَلَ مَسْأَلَةَ الْمُحِيطِ عَلَى مَا إذَا قَعَدَ عَنْ الطَّلَبِ بِعْنِي بِأَنْ غَابَ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَلَا يَخْفَى دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِهَذَا الْحَمْلِ وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ وَعَلَى هَذَا فَفِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ لَوْ لَمْ يَغِبْ الصَّائِدُ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَ بِهِ الْمِنْجَلَ لِلْحِمَارِ حَلَّ أَكْلُهُ إذَا كَانَ سَمَّى عِنْدَ وَضْعِ الْمِنْجَلِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ.

لَكِنَّ تَعْلِيلَ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِلِّ مُطْلَقًا أَعْنِي قَعَدَ الصَّائِدُ عَنْ الطَّلَبِ بِأَنْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَقَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدَ هَذَا حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا مِنْ سَاعَتِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْحِلِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ الطَّلَبِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الشَّارِحِ عَدَمَ اعْتِبَارِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ فِيهَا عِنْدَ النَّصْبِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ إلَخْ) قَالَ قَاضِيخَانْ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنْ أَقْرَضَ كَانَ ضَامِنًا وَالْقَاضِي يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ.

وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْأَبِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ لَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>