لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ لِأَنَّ الْخِتَانَ لِلطَّهَارَةِ، وَلَا طَهَارَةَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَانَ إيلَامًا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَقِيلَ أَقْصَاهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ تِسْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ وَقْتُهُ عَشْرُ سِنِينَ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ عَشْرًا اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْخِتَانِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلطَّهَارَةِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ قَوِيًّا يُطِيقُ أَلَمَ الْخِتَانِ خُتِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا عِلْمَ لِي بِوَقْتِهِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْمَشَايِخُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ لِأَنَّهُ أَلَذُّ فِي الْجِمَاعِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَى الْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا إلَّا لِمَصَالِحَ تَعُودُ عَلَيْهِ، وَفِي الْخِتَانِ إقَامَةُ السُّنَّةِ، وَتَعُودُ إلَيْهِ أَيْضًا مَصْلَحَتُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «الْخِتَانُ سُنَّةٌ يُحَارَبُ عَلَى تَرْكِهَا»، وَكَذَا يَجُوزُ كَيُّ الصَّغِيرِ وَبَطُّ قُرْحَتِهِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُدَاوَاةِ وَكَذَا يَجُوزُ ثَقْبُ أُذُنِ الْبَنَاتِ الْأَطْفَالِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ الزِّينَةِ، وَكَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْحَامِلُ لَا تَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَحْتَجِمَ مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ الْوَلَدُ فَإِذَا تَحَرَّكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَقْرُبْ الْوِلَادَةُ فَإِذَا قَرُبَتْ فَلَا تَحْتَجِمُ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ، وَأَمَّا الْفَصْدُ فَلَا تَفْعَلُهُ مُطْلَقًا مَا دَامَتْ حُبْلَى لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْهُ، وَكَذَا يَجُوزُ فَصْدُ الْبَهَائِمِ وَكَيُّهَا، وَكُلُّ عِلَاجٍ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهَا، وَجَازَ قَتْلُ مَا يَضُرُّ مِنْ الْبَهَائِمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْهِرَّةِ إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ، لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَيَذْبَحُهَا ذَبْحًا، وَلَا يَضْرُ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فَيَكُونُ تَعْذِيبًا لَهَا بِلَا فَائِدَةٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسَابَقَةُ بِالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ، وَأَذِنَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا أَنْصَارِيًّا كَانَ لَا يَسْبِقُ، شَدًّا فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ»، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْأَرْجُلِ، وَلِأَنَّ الْغُزَاةَ يَحْتَاجُونَ إلَى رِيَاضَةِ خَيْلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالتَّعْلِيمُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ مُبَاحٌ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَحُرِّمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَّقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ»، وَمَعْنَى شَرْطِ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي، فَلِي عَلَيْك كَذَا وَهُوَ قِمَارٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمَرِ الَّذِي يُزَادُ تَارَةً، وَيُنْقَصُ أُخْرَى، وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَامِرِينَ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ فَيَجُوز الِازْدِيَادُ وَالِانْتِقَاصُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ قِمَارًا.
وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك لِأَنَّ النُّقْصَانَ وَالزِّيَادَةَ لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ، وَفِي الْآخَرِ النُّقْصَانُ فَقَطْ فَلَا يَكُون مُقَامَرَةً لِأَنَّ الْمُقَامَرَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ فَتَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَاهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رَوَيْنَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْخَطَرِ.
وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجَعْلُ، مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِبَاقُ بِالْجُعْلِ لِأَنَّ الِاسْتِبَاقَ بِلَا جُعْلٍ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْجُعْلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْقِمَارُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ، وَفِي الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِالْخَطَرِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ حَتَّى يُقَاسَ عَلَيْهِ.
وَشَرْطُهُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَكَذَا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ أَمَّا إذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا إيجَابُ الْمَالِ لِلْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ،
وَلَوْ شَرَطَا الْجُعْلَ، مِنْ الْجَانِبَيْنِ. وَأَدْخَلَا ثَالِثًا مُحَلِّلًا جَازَ إذَا كَانَ فَرَسُ الْمُحَلَّلِ كُفْئًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ») قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْت وَتَجُوزُ أَيْضًا بِالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ لِأَنَّ الْحَافِرَ يَشْمَلُهُمَا اهـ قُلْت يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُخْتَارِ وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالرَّمْيِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ».
وَالْمُرَادُ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ وَبِالنَّصْلِ الرَّمْيُ وَبِالْحَافِرِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ اهـ فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لَكِنْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ بِأَنَّ الْمُسَابَقَةَ لَا تَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْعَيْنِيِّ سَامَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ ثُمَّ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ «لَا سَبَقَ»: السَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاء مَا يُجْعَلُ مِنْ الْمَالِ رَهْنًا عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَبِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقْت أَسْبِقُ الْمَعْنَى لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالسِّهَامُ وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا الْفُقَهَاءُ مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ. اهـ. ابْنُ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ «وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنْ يُسَابِقَ رَجُلًا» إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ. اهـ.
(قَوْلُهُ سَبَّقَ بِالْخَيْلِ) سَبَّقَ بِالتَّشْدِيدِ الْتَزَمَ السَّبْقَ وَهُوَ مَا يُتَرَاهَنُ عَلَيْهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّصَ هَؤُلَاءِ بِهِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ حَافِرٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَغْلُ وَالْحِمَارُ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْصِيصِ عَدَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ