للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِرْثَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إلَّا الطَّلَاقَ» وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِنًّا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ أَصْلًا وَبَيْنَ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ.

وَهُوَ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ لَهُمْ، وَالْمُكَاتَبُ لَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ، وَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ فَلَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْإِرْثِ، وَالْقَتْلُ الَّذِي يَمْنَعُ الْإِرْثَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ أَوْ الْكَفَّارَةُ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالْقَتْلِ بِسَبَبٍ أَوْ بِقِصَاصٍ لَا يُوجِبُ الْحِرْمَانَ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ عُقُوبَةٌ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ، وَهُوَ الْقِصَاصُ أَوْ الْكَفَّارَةُ.

وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعَلِّقُهُ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ حَتَّى لَا يَرِثَ عِنْدَهُ إذَا قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ أَوْ كَانَ الْقَرِيبُ قَاضِيًا فَحَكَمَ بِذَلِكَ أَوْ شَاهِدًا فَشَهِدَ بِهِ أَوْ بَاغِيًا فَقَتَلَهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ سَيْفًا فَقَتَلَهُ دَفْعًا كُلُّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ عِنْدَهُ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ أَوْ أَجَازَ لَهُ قَتْلَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْقَتْلِ سَائِرُ عُقُوبَاتِ الْقَتْلِ.

، فَكَذَا الْحِرْمَانُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ مِنْ الْمِيرَاثِ» هُوَ الْقَتْلُ بِالتَّعَدِّي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ مِيرَاثٌ» بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ أَيْ قَاتِلٌ هُوَ كَصَاحِبِ الْبَقَرَةِ، وَهُوَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُبَاشَرَةً عَنْ الْقَتْلِ بِالتَّسْبِيبِ.

وَاخْتِلَافُ الدِّينِ أَيْضًا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَأَمَّا اخْتِلَافُ مِلَلِ الْكُفَّارِ كَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَعِبَادَةِ الْوَثَنِ فَلَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ حَتَّى يَجْرِيَ التَّوَارُثُ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النَّاسُ كُلُّهُمْ حَيِّزٌ، وَنَحْنُ حَيِّزٌ» وَاخْتِلَافُ الدَّارِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا حَتَّى لَا تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ بِدُونِهِ حَتَّى لَا يَجْرِيَ الْإِرْثُ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا، وَلَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.

وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِهِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا حَقِيقَةً، وَالدَّارُ إنَّمَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمِلْكِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ، وَدَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاخْتِلَافِ مِلْكِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّنَاصُرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَالْإِرْثُ يَكُونُ بِالْوِلَايَةِ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَافِرُ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَالسَّبَبِ كَالْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ مُكَلَّفٌ فَيَمْلِكُ بِالْأَسْبَابِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الْتَحَقَ بِالْمُسْلِمِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ حُجِبَ أَحَدُهُمَا فَبِالْحَاجِبِ) أَيْ لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي الْكَافِرِ قَرَابَتَانِ لَوْ تَفَرَّقَتَا فِي شَخْصَيْنِ حَجَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْ يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَهَذَا الْوَلَدُ ابْنُهَا، وَابْنُ ابْنِهَا فَيَرِثُ مِنْهَا إذَا مَاتَتْ عَلَى أَنَّهُ ابْنٌ، وَلَا يَرِثُ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ ابْنٍ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُحْجَبُ بِالِابْنِ، وَلَوْ وَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا مَكَانَ الِابْنِ تَرِثُ الثُّلُثَيْنِ؛ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ وَالسُّدُسَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ الِابْنِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَتَرِثُ مِنْ أَبِيهَا عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّ الْأُخْتَ تَسْقُطُ بِالْبِنْتِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَه فَوَلَدَتْ لَهُ بِنْتًا تَرِثُ مِنْ أُمِّهَا النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَتَرِثُ الْبَاقِيَ عَلَى أَنَّهَا عَصَبَةٌ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا مِنْ أَبِيهَا، وَهِيَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَإِنْ مَاتَ أَبُوهَا تَرِثُ النِّصْفَ عَلَى أَنَّهَا بِنْتٌ، وَلَا تَرِثُ عَلَى أَنَّهَا بِنْتُ بِنْتٍ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا تَرِثُ مَعَ وُجُودِ ذِي سَهْمٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ يَرِثُ بِأَثْبَتِ الْقَرَابَتَيْنِ وَآكَدِهِمَا أَيْ بِأَقْوَاهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالَ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ مَانِعٍ، وَالْمَانِعُ الْحَاجِبُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَيَأْخُذُ بِالْجِهَتَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ إذَا اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ، وَتَرَكَتْ ابْنَ عَمِّهَا، وَهُوَ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا مِنْ أُمِّهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ، وَالْعُصُوبَةِ فَكَذَا الْكَافِرُ إذْ هُوَ لَا يُخَالِفُ الْمُسْلِمَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا بِالْعُصُوبَةِ، وَلَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ عَلَى أَنَّهُ أَخٌ مِنْ أُمٍّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَيَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِهِ) حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ أَخِيهِ الذِّمِّيِّ وَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَخٌ وَرِثَهُ أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ لَا أَخُوهُ الذِّمِّيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ) حَتَّى إذَا دَخَلَ ذِمِّيٌّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ عِنْدَ أَخِيهِ الْحَرْبِيِّ وَرِثَهُ أَخُوهُ الذِّمِّيُّ لَا أَخُوهُ الْحَرْبِيُّ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>