للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِرْثِ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ فُرُوعُ الْمَيِّتِ كَأَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَإِنْ سَفَلُوا، ثُمَّ أُصُولُهُ كَالْأَجْدَادِ الْفَاسِدِينَ وَالْجَدَّاتِ الْفَاسِدَاتِ وَإِنْ عَلَوْا ثُمَّ فُرُوعُ أَبَوَيْهِ كَأَوْلَادِ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ لِأُمٍّ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ فُرُوعُ جَدَّيْهِ وَجَدَّتَيْهِ كَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ لِأُمٍّ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَإِنْ بَعُدُوا فَصَارُوا أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ.

وَرَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَوْلَاهُمْ بِالْمِيرَاثِ الْأُصُولُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْفُرُوعَ أَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ) لِأَنَّ إرْثَهُمْ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ثُمَّ بِكَوْنِ الْأَصْلِ وَارِثًا إذَا اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجَةِ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) لِأَنَّ الْوَارِثَ أَقْوَى قَرَابَةً مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِ.

بِدَلِيلِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ فَكَانَ مَنْ يُدْلِي بِهِ أَقْوَى، وَلِلْقُوَّةِ تَأْثِيرٌ فِي التَّقْدِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُونَ عَلَى بَنِي الْعَلَّاتِ فِي الْعُصُوبَةِ لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ ضَعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْضُ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَانَ لِمَنْ هُوَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ الثُّلُثُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَضِيَّةِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ أَقْوَى فَيَكُونُ لَهُمْ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اتَّفَقَ الْأُصُولُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ) أَيْ إنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِهِمْ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ الْمُدْلَى بِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا أُصُولًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُونُوا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَالْعَدَدُ مِنْهُمْ، وَالْوَصْفُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ) أَيْ إنْ لَمْ تَتَّفِقْ صِفَةُ الْأُصُولِ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ مِنْ الْفُرُوعِ أَيْ الْمُدْلُونَ بِهِمْ.

وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ فَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى ذَلِكَ الْبَطْنِ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ بِعَدَدِ فُرُوعِهِ حَتَّى يُجْعَلَ الذَّكَرُ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْبَطْنِ ذُكُورًا بِعَدَدِ فُرُوعِهِ، وَالْأُنْثَى الْوَاحِدَةُ إنَاثًا بِعَدَدِ فُرُوعِهَا، وَيُعْطَى الْفُرُوعُ مِيرَاثَ الْأُصُولِ، وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ بُطُونٌ مُخْتَلِفَةٌ يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ثُمَّ يُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً، وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَمَا أَصَابَ الذُّكُورَ يُجْمَعُ، وَيُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا أَصَابَ الْإِنَاثَ، وَهَكَذَا يُعْمَلُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاءٌ.

وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُعْتَبَرُ أَبْدَانُ الْفُرُوعِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ، وَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ جِهَتَانِ أَوْ أَكْثَرَ تُعْتَبَرُ الْجِهَتَانِ أَوْ الْجِهَاتُ فَيَرِثُ بِكُلِّ جِهَةٍ غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُهَا فِي الْفُرُوعِ وَمُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُصُولِ بِخِلَافِ الْجَدَّةِ حَيْثُ لَا تَرِثُ إلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَذُو الرَّحِمِ يَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ.

وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجَدَّةَ تَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بِاسْمِ الْجَدَّةِ، وَالِاسْمُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَهُنَّ، وَإِرْثُ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِالْقَرَابَةِ فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ جَمِيعًا، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفُرُوضُ نِصْفٌ وَرُبُعٌ وَثُمُنٌ وَثُلُثَانِ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ) أَيْ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ السِّتَّةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ عَلَى التَّنْصِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَكْثَرِ أَوْ عَلَى التَّضْعِيفِ إنْ بَدَأَتْ بِالْأَقَلِّ فَتَقُولُ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا أَوْ تَقُولُ الثُّمُنُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ وَالسُّدُسُ وَضِعْفُهُ وَضِعْفُ ضِعْفِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَخَارِجُهَا اثْنَانِ لِلنِّصْفِ، وَأَرْبَعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ لِسَمِيِّهَا، وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِالِاخْتِلَاطِ) أَيْ مَخَارِجُ هَذِهِ الْفُرُوضِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ السِّتَّةُ سَبْعَةٌ اثْنَانِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، وَأَرَادَ بِالِاخْتِلَاطِ اخْتِلَاطَ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْفُرُوضَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ يَجِيءَ كُلُّ فَرْضٍ مِنْهَا مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ فَإِنْ جَاءَ مُنْفَرِدًا فَمَخْرَجُ كُلِّ فَرْضٍ سَمِيُّهُ، وَهُوَ الْمَخْرَجُ الَّذِي يُشَارِكُهُ فِي الْحُرُوفِ إلَّا النِّصْفَ فَإِنَّهُ مِنْ اثْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِسَمِيٍّ لَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالسُّدُسُ مِنْ سِتَّةٍ وَالثُّلُثُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالرُّبُعُ مِنْ أَرْبَعَةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالتَّرْجِيحُ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ) كَبِنْتِ الْبِنْتِ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَمَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ أَوْلَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) كَبِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ بِنْتِ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا وَلَدُ وَارِثٍ فَإِنَّهَا وَلَدُ بِنْتِ الِابْنِ وَهِيَ صَاحِبَةُ فَرْضٍ وَابْنُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَلَدُ بِنْتِ الْبِنْتِ وَهِيَ ذَاتُ رَحِمٍ اهـ ضَوْءٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَبْدَانِ) وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) كَمَا إذَا تَرَكَ ابْنَ بِنْتٍ وَبِنْتَ بِنْتٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اتِّفَاقًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَالصِّفَةُ مِنْ بَطْنٍ اخْتَلَفَ) وَهَذِهِ صُورَتُهُ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ بَلْ هُوَ حَاشِيَةٌ أُلْحِقَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ) قَالَ صَاحِبُ الضَّوْءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ يَقُولُ إنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي اهـ قَوْلُهُ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْحَيْضِ أَيْ فِي الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَفَاصِيلَ مُتَعَدِّدَةٍ يَشُقُّ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي ضَبْطُهَا.

وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>