للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَقِيقَةِ الْوَارِثُ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ، وَتَحْتَهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قَرِيبٌ هُوَ ذُو سَهْمٍ، وَقَرِيبٌ هُوَ عَصَبَةٌ وَقَرِيبٌ هُوَ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ.

وَمَضَى الْكَلَامُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَبَقِيَ فِي الثَّالِثِ فَنَقُولُ عِنْدَنَا هُمْ يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ غَيْرَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ بَلْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى حِمَارِهِ فَوَقَفَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ رَجُلٌ هَلَكَ، وَتَرَكَ عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ، وَيَفْعَلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ لَا شَيْءَ لَهُمَا»، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ لَا أُرَى يَنْزِلُ عَلَيَّ شَيْءٌ لَا شَيْءَ لَهُمَا.

وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَجِدُ لَهُمَا شَيْئًا وَإِذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِالرَّأْيِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] فَتَوَارَثُوا بِالنَّسَبِ» وَعَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا.

«وَحِينَ مَاتَ ثَابِتُ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ، وَكَانَ غَرِيبًا آتِيًا لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ هُوَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ فِيكُمْ نَسَبًا قَالَ لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا لُبَابَةَ بْنَ الْمُنْذِرِ ابْنَ أُخْتِهِ فَأَعْطَاهُ مِيرَاثَهُ»، وَعَنْ أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ «أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إلَّا خَالٌ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذِهِ آثَارٌ مُتَّصِلَةٌ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عَمٍّ لِأُمٍّ وَخَالَةٍ أَنَّهُ أَعْطَى الْعَمَّ الثُّلُثَيْنِ وَالْخَالَةَ الثُّلُثَ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ تَرَكَ عَمَّةً وَخَالَةً: لِلْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ يَرِثُونَهُ جَمِيعًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِبَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ وَرِثَ مَالَهُ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا مَا حُكِيَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ أَفْرَادِ الْوَاقِعَاتِ، وَمَا رَوَوْهُ مُنْقَطِعٌ، وَمِنْ مَذْهَبِ الْخَصْمِ أَنْ لَا يَكُونَ حُجَّةً فَكَيْفَ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَمِثْلُهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ ثُمَّ هُوَ لَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَيْضًا عِنْدَنَا حُجَّةٌ فِي دَفْعِ مَوَارِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُ يُعَارِضُ مَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا أَوْ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا شَيْءَ لَهُمَا أَرَادَ بِهِ الْفَرْضَ أَيْ لَا فَرْضَ لَهُمَا مُقَدَّرٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ رَدًّا لِلتَّوَارُثِ بِالْإِيخَاءِ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْعَصَبَةَ وَأَصْحَابَ السِّهَامِ، وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُهُمْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ.

وَهِيَ عَامَّةٌ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِهَا عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهُمْ ابْنُ سُرَيْجٍ خَالَفُوهُ، وَذَهَبُوا إلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فُقَهَائِهِمْ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ الْمَصَارِفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَرِثُ مَعَ ذِي سَهْمٍ وَعَصَبَةٍ سِوَى أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ مَعَ وُجُودِ ذِي فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ إلَّا إذَا كَانَ صَاحِبُ الْفَرْضِ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَيَرِثُونَ مَعَهُ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ أَوْلَى مِنْهُ.

وَكَذَا الرَّدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ أَوْلَى مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَّا الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَا قَرَابَةَ لَهُمَا مَعَ الْمَيِّتِ، وَإِرْثُهُمَا نَظِيرُ الدَّيْنِ فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا فَضَلَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَكَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا مَا فَضَلَ مِنْ فَرْضِهِمَا، عَلَى ذَلِكَ كَانَ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرُدُّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْضًا، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَرَى الرَّدَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَمَا فَضَلَ مِنْهُمْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُ.

وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) أَيْ تَرْتِيبُ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَكَانَ غَرِيبًا أَتِيًّا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَالْأَتِيُّ وَالْأَتَاوِيُّ الْغَرِيبُ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَفِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ عَنْ ثَابِتِ ابْنِ الدَّحْدَاحَةِ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ أَتِيٌّ فِينَا أَيْ غَرِيبٌ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَأَتَى الرَّجُلُ الْقَوْمَ انْتَسَبَ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَتِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّيْلِ يَأْتِي مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ وَلَا يُصِيبُ تِلْكَ الْأَرْضَ أَتِيٌّ أَيْضًا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>