فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي الْعِشَاءِ جَازَ فَجْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَقْتَ كَانَ ضَيِّقًا ثُمَّ ضِيقُ الْوَقْتِ يُعْتَبَرُ عِنْدَ الشُّرُوعِ حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ وَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَشْرَعَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ جَازَتْ صَلَاتُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَتْ جَائِزَةً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً وَلَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ فِيهَا بَعْدُ، وَالْوَقْتُ لَا يَسَعُ فِيهِ الْمَتْرُوكَاتِ كُلَّهَا مَعَ الْوَقْتِيَّةِ لَكِنْ يَسَعُ فِيهِ بَعْضَهَا مَعَهَا لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَا لَمْ يَقْضِ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الصَّرْفُ إلَى هَذَا الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعَصْرِ لِأَصْلِ الْوَقْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ الْحَسَنِ: الْعِبْرَةُ لِلْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُهُ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الظُّهْرِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالظُّهْرِ يَقَعُ الْعَصْرُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمَا فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فَيُصَلِّي الْعَصْرَ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ وَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ قَدْرُ مَا لَا يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ جَوَازِ الظُّهْرِ فِيهِ. وَلَوْ دَخَلَ فِي الْعَصْرِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ فِيهِ حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ لَمْ يَجُزْ الْعَصْرُ إلَّا إذَا قَطَعَ وَاسْتَقْبَلَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ مَا ضَاقَ الْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ فِيهِ الظُّهْرَ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ جَائِزًا فَكَذَا لَا يُمْنَعُ الْبَقَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ لَوْ شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ، وَالشَّمْسُ حَمْرَاءُ وَغَرَبَتْ، وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا. طَعَنَ عِيسَى فِيهِ فَقَالَ الصَّحِيحُ يَقْطَعُهَا ثُمَّ يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقْتٌ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا يَكُونُ كُلُّهَا قَضَاءً، وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ فَكَانَ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ حِينَ شَرَعَ فِيهَا كَانَ مَأْمُورًا بِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَانِعًا لَمَا أُمِرَ بِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ ثُمَّ غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعَصْرَ اسْتِحْسَانًا وَيَجْزِيهِ وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِالنِّسْيَانِ فَلِلتَّعَذُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالْفَائِتَةِ مَعَ النِّسْيَانِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَلِأَنَّ الْوَقْتَ إنَّمَا يَصِيرُ وَقْتًا لِلْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ وَمَا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَكُونُ وَقْتًا لَهَا فَلَا اجْتِمَاعَ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا فَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهَا لَوَقَعُوا فِي حَرَجٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا عِنْدَ كَثْرَتِهَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ) أَيْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَدَثَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ وَلَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا اهـ.
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَطَعَ وَاسْتَقْبَلَ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ مَعَ تَرْكِ الظُّهْرِ فَيَقْطَعُ، ثُمَّ يَفْتَتِحُهَا ثَانِيًا، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ افْتَتَحَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ الظُّهْرَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِلتَّرْتِيبِ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاخْتِتَامِهَا وَهُوَ النِّسْيَانُ وَضِيقُ الْوَقْتِ اهـ. قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَقَالَ الصَّحِيحُ يَقْطَعُهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ قَدْ زَالَ، وَهُوَ ضِيقُ الْوَقْتِ فَعَادَ التَّرْتِيبُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْضِي فِيهَا، ثُمَّ يَقْضِي الظُّهْرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ذَكَرَهُ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَضَى فِيهَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَلَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِضِيقِ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ فِي خِلَالِ الْوَقْتِيَّةِ لَا يَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مُؤَدٍّ عَلَى الْأَصَحِّ لَا قَاضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا سُقُوطُهُ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمَبْسُوطِ كَانَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِي عُمُرِهِ مَا لَمْ يَقْضِهَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لَهَا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفَوَائِتِ تَكُونُ عَنْ كَثْرَةِ تَفْرِيطٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّخْفِيفَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي صَلَاةِ سِتَّةٌ فَجَعَلَ حَدَّ الْكَثْرَةِ مَا زَادَ عَلَى سِتَّةٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ إلَّا بِمُضِيِّ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَى أَجَلٍ دُونَ الشَّهْرِ وَمَا فَوْقَ الشَّهْرِ كَثِيرٌ فَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ قُلْت الْفَوَائِتُ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. كَاكِيٌّ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ حَتَّى سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِأَجْلِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ فِي نَفْسِهَا أَيْضًا حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ شَهْرٍ فَصَلَّى ثَلَاثِينَ فَجْرًا، ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثِينَ ظُهْرًا هَكَذَا إلَى آخِرِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا التَّرْتِيبُ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ فَجْرَ الْيَوْمِ الثَّانِي حَصَلَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَصْحَابِنَا بِخِلَافِ مَا يَقُولُ الْعَوَامُّ أَنَّهُ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الْفَوَائِتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ الْفَوَائِتَ لَمَّا كَثُرَتْ أُسْقِطَ التَّرْتِيبُ عَنْ أَغْيَارِهَا؛ فَلَأَنْ يَسْقُطَ فِي نَفْسِهَا كَانَ أَوْلَى، وَشَبَّهَهُ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ الْكُرْدِيُّ بِالضَّرْبِ لِمَا أَثَّرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ إيلَامًا فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي مَوْضِعِ الضَّرْبِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا عِنْدَ كَثْرَتِهَا) أَيْ مَعَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْحَاجَاتِ. اهـ. فَتْحٌ وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَنَّ الْكَثْرَةَ الْمُسْقِطَةَ صَيْرُورَةُ الْفَوَائِتِ خَمْسًا فِي رَاوِيَةِ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ دُخُولُ وَقْتِ السَّادِسَةِ مَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَوْ صَيْرُورَتُهَا سِتًّا بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا.
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْضًا أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الْفَوَائِتِ فِي بَابِ الْكَثْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ فَرْضًا لَا تَحْصُلُ بِهِ الْكَثْرَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالْكَثْرَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْقَاتُ أَوْ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ وَلَا مَدْخَلَ لِلْوِتْرِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَوَائِتِ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَقَّتَةَ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute