للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الْمُوَافَقَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَيَنْفَرِدُونَ فِي الْبَاقِي كَالْمَسْبُوقِ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ لَا السَّفَرِ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَوْطَانَ ثَلَاثَةٌ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ، وَهُوَ مَوْلِدُ الْإِنْسَانِ أَوْ الْبَلْدَةِ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا وَوَطَنُ إقَامَةٍ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْوِي الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا وَوَطَنُ سُكْنَى وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْوِي أَنْ يُقِيمَ فِيهِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الْوَطَنَ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِيهِ مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَصَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ وَنَحْنُ نَذْكُرُ فَائِدَتَهُ مِنْ قَرِيبٍ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْطَانِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَبْطُلُ بِمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَقِضُ بِمِثْلِهِ وَبِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ لَا بِمَا دُونَهُ وَقَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ أَيْ بِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وَلِهَذَا عَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ بِمَكَّةَ مُسَافِرًا حَيْثُ قَالَ «فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» هَذَا إذَا انْتَقَلَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَهْلِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ بِأَهْلِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْدَثَ أَهْلًا بِبَلْدَةٍ أُخْرَى فَلَا يَبْطُلُ وَطَنُهُ الْأَوَّلُ وَيُتِمُّ فِيهِمَا. وَقَوْلُهُ لَا السَّفَرِ فِيهِ حَذْفٌ أَيْ لَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ وَكِلَاهُمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الْأَصْلِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ أَيْ يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ لِمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ أَيْ وَيَبْطُلُ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَبِالْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْأَوْطَانِ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِيهَا إذَا أَدْخَلَهَا وَهُوَ مُسَافِرٌ قَبْلَ أَنْ تَبْطُلَ وَتُتَصَوَّرُ تِلْكَ الْفَائِدَةِ فِي وَطَنِ السُّكْنَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ إلَى قَرْيَةٍ لِحَاجَةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا لِلسَّفَرِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُقِيمَ لَيْلَةً فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَسَافَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ، وَلَوْ مَرَّ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ وَدَخَلَهَا أَتَمَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

تَحْرِيمَةَ الْمُسَافِرِ أَقْوَى لِكَوْنِهَا مُتَضَمِّنَةً لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَتَحْرِيمَةَ الْمُقِيمِ مُتَضَمِّنَةً لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ التَّحْرِيمَةِ اهـ مِنْ خَطِّهِ. - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ انْتَقَلَتْ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ يَجِبُ جَعْلُهُ فِيهِمَا. اهـ. .

(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَقْرَءُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ؛ وَلِهَذَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِمْ إذَا سَهَوْا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ قَدْ تَأَدَّى) أَيْ فَيَتْرُكُهَا احْتِيَاطًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَاحِقًا كَانَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَكَانَ مُقْتَدِيًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ حَقِيقَةً فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُقْتَدٍ وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ إذْ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدًّى فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَدَارَتْ قِرَاءَتُهُ بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ الِامْتِنَاعِ وَالْمَنْدُوبَ جَائِزُ التَّرْكِ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا أَثِمَ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَ مَنْدُوبًا لَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةً نَافِلَةً فَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ فِيمَا يَقْضِي فَرْضًا فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ. اهـ. كَافِي.

(قَوْلُهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ إلَى آخِرِهِ) وَيُسَمَّى وَطَنُ الْقَرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ الَّتِي تَأَهَّلَ فِيهَا) أَيْ وَمَنْ قَصْدُهُ التَّعَيُّشُ بِهِ لَا الِارْتِحَالُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَنْ يُقِيمَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِهِ) وَيُسَمَّى وَطَنُ الْإِقَامَةِ وَطَنًا مُسْتَعَارًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَاعِدًا) أَيْ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ وَلَا بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ إلَى آخِرِهِ)، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَطَنَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ لَا يَبْطُلُ بِالْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ وَالثَّانِي وَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَبِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ وَبِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَالثَّالِثُ، وَهُوَ وَطَنُ السُّكْنَى يَبْطُلُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ فَوْقَهُ وَبِالسَّفَرِ اهـ.

قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ الْوَطَنُ وَطَنَانِ: وَطَنٌ أَصْلِيٌّ وَوَطَنٌ مُسْتَعَارٌ وَلَمْ يَعْتَبِرْ وَطَنَ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بَلْ حُكْمُ السَّفَرِ فِيهِ بَاقٍ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَابِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ الْبَعْضُ فَإِنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِهِ مَسْأَلَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَطَنَ السُّكْنَى مُعْتَبَرٌ فَقَالَ: لَوْ خَرَجَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ يُرِيدُ الشَّامَ وَلَهُ بِالْقَادِسِيَّةِ ثَقَلٌ يُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ الْقَادِسِيَّةَ وَطَنُ السُّكْنَى فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِهَا مُدَّةً أَوْ لَمْ يَعْزِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكُوفَةِ دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ انْتَقَضَ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَ السُّكْنَى يُنْتَقَضُ بِمِثْلِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ بِالْحِيرَةِ وَطَنُ السُّكْنَى فَالْتَحَقَ بِمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَادِسِيَّةِ فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْحِيرَةِ وَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَادِسِيَّةِ لِحَمْلِ الثَّقَلِ وَيَرْتَحِلُ إلَى الشَّامِ وَلَا يَمُرُّ بِالْكُوفَةِ يُتِمُّ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ السُّكْنَى الَّذِي بِالْقَادِسِيَّةِ قَدْ انْتَقَضَ بِخُرُوجِهِ مِنْهَا عَلَى قَصْدِ الْحِيرَةِ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ لِلسُّكْنَى بَاقٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ بِقَصْدِ الْحِيرَةِ وَطَنُ سُكْنَى آخَرُ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا فَبَقِيَ وَطَنُهُ بِالْقَادِسِيَّةِ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْهَا لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ لِتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ فَلِذَا يُتِمُّ بِالْقَادِسِيَّةِ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهَا فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صِحَّةُ مَا قُلْنَا، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ اهـ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ ضِدُّ الْإِقَامَةِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ فَالسَّفَرُ ضِدٌّ لِلْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ فَلِمَ لَمْ يُبْطِلْهُ، فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَالْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ فَوْقَهُ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ أَيْ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَخْرُجُ مَعَ أَصْحَابِهِ إلَى الْغَزَوَاتِ بِالْمَدِينَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ وَطَنُهُ بِالْمَدِينَةِ حَيْثُ لَمْ يُجَدِّدْ نِيَّتَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ» اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>