مِمَّا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ السَّفَرِ لِثُبُوتِ الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ إجْمَاعًا وَفِي ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قَالَ (وَفَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ أَيْ فَائِتَةُ السَّفَرِ تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ وَفَائِتَةُ الْحَضَرِ تُقْضَى أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي الْمَرَضِ فِي حَالَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الصِّحَّةِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا أَوْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ حَيْثُ يَقْضِيهَا فِي الْمَرَضِ بِالْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إلَّا أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ بِالْعَجْزِ فَإِذَا قَدَرَ أَتَى بِهِمَا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ آخَرُ الْوَقْتِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْأَرْبَعِ أَوْ الرَّكْعَتَيْنِ آخِرُ الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ آخِرُ الْوَقْتِ مُسَافِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْبَعُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ وَلِهَذَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَبِعَكْسِهِ لَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوْ نَفِسَتْ فِيهِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَاصِي كَغَيْرِهِ) أَيْ فِي التَّرَخُّصِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَفِي ثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْكَمَالُ فِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي أُخْرَى إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ الْإِقَامَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ وَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا بِقَصْدِ السَّفَرِ فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَخَرَجَ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ مَسِيرَتُهَا مِنْ وَطَنِهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا وَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ وَالتَّخَرُّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بَغْدَادِيٌّ وَكُوفِيٌّ خَرَجَا مِنْ وَطَنِهِمَا يُرِيدَانِ قَصْرَ ابْنِ هُبَيْرَةَ لِيُقِيمَا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبَيْنَ كُوفَةَ وَبَغْدَادَ خَمْسُ مَرَاحِلَ وَالْقَصْرُ مُنْتَصَفُ ذَلِكَ فَلَمَّا قَدِمَاهُ خَرَجَا مِنْهُ إلَى الْكُوفَةِ لِيُقِيمَا بِهَا ثُمَّ يَرْجِعَا إلَى بَغْدَادَ فَإِنَّهُمَا يُتِمَّانِ إلَى الْكُوفَةِ وَبِهَا؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُمَا مِنْ وَطَنِهِمَا إلَى الْقَصْرِ لَيْسَ سَفَرًا، وَكَذَا مِنْ الْقَصْرِ إلَى الْكُوفَةِ فَبَقِيَا مُقِيمَيْنِ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ يَقْصُرَانِ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَصَدَا الْمُرُورَ عَلَى الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا بَغْدَادَ وَلَيْسَ بِهَا وَطَنٌ أَمَّا الْكُوفِيُّ فَلِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ نَقَضَ وَطَنَ الْقَصْرِ.
وَأَمَّا الْبَغْدَادِيُّ فَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَعَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الزِّيَادَاتِ يَقْصُرُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ وَطَنَ الْبَغْدَادِيِّ بِالْقَصْرِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِهَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَنْقُضُهَا وَقِيَامُ وَطَنِهِ بِالْقَصْرِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ السَّفَرِ، وَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ لَا يَكُونُ بَعْدَ تَقْدِيمِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ الْمُقِيمِ لَغْوٌ، وَلَمْ يُوجَدْ تَقْدِيمُ السَّفَرِ فَلَمْ يَصِحَّ وَطَنُهُ بِالْقَصْرِ فَصَارَ مُسَافِرًا إلَى بَغْدَادَ اهـ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ تُبَيِّنُ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَمِثَالُهُ فِي دِيَارِنَا قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بُلْبَيْسَ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّالِحِيَّةِ فَلَمَّا دَخَلَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَيَمُرَّ بِبُلْبَيْسَ فَعَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ السَّفَرِ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَقْصُرُ إلَى الْقَاهِرَةِ وَعَلَى الْأُخْرَى يُتِمُّ. اهـ. .
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ كُلُّ الْوَقْتِ لَا الْأَخِيرُ قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ فِي تَقَرُّرِ الْقَضَاءِ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ وَلَا اعْتِبَارَ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ سَافَرَ فِيهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ أَقَامَ فِيهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ وَإِنَّمَا الْإِضَافَةُ إلَى كُلِّهِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حَالُهُ بِالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ وَالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ تَقَرُّرِ الْقَضَاءِ فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ مُضَافًا إلَى كُلِّهِ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ عَلَى أَنَّ مُخْتَارَ الْبَعْضِ عَدَمُ الْإِضَافَةِ إلَى كُلِّهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ مَذْهَبَ الْبَعْضِ كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَالَ الْكَمَالُ عِنْدَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ تَقَرُّرِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَصِفَةُ الدَّيْنِ تُعْتَبَرُ حَالَ تَقَرُّرِهِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَمَّا اعْتِبَارُ كُلِّ الْوَقْتِ إذَا خَرَجَ فِي حَقِّهِ فَلِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ إذْ الْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ الْمَشْرُوعَاتِ أَنْ تُطْلَبَ الْعِبَادَاتُ كَامِلَةً وَإِنَّمَا تُحْمَلُ نَقْصُهَا لِعُرُوضِ تَأْخِيرِهِ إلَى الْجُزْءِ النَّاقِصِ مَعَ تَوَجُّهِ طَلَبِهَا إذَا عَجَزَ عَنْ أَدَائِهَا قَبْلَهُ وَبِخُرُوجِهِ عَنْ غَيْرِ إدْرَاكٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعَارِضُ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ وَقْتِ الْوُجُوبِ.
وَقَالَ زُفَرُ إذَا سَافَرَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ السَّفَرِ يَقْضِي صَلَاةَ السَّفَرِ، وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُقِيمِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَنْتَقِلُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَعِنْدَنَا نَنْتَقِلُ إلَى الَّذِي يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ مُقِيمٌ أَرْبَعًا، ثُمَّ سَافَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا فِي مَنْزِلِهِ فَرَجَعَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِلَا طَهَارَةٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ صَارَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَصَارَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ فَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ صَلَاةُ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَهُوَ مُقِيمٌ. اهـ. فَتْحٌ، وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي وَقْتِهِمَا، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَوْلُهُ فَرَجَعَ أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute