بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُطِيعِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَخْفِيفًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُوجِبُ التَّغْلِيظَ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ نَفْسَ السَّفَرِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ وَالرُّخْصَةُ تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ لَا بِالْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ الْمُجَاوِرَةَ لَا تَنْفِي الْأَحْكَامَ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالسَّفَرِ دُونَ التَّبَعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْجُنْدِيِّ) هَذَا تَفْسِيرُ التَّبَعِ أَيْ الْمَرْأَةُ تَبَعٌ لِلزَّوْجِ وَالْعَبْدُ تَبَعٌ لِلْمَوْلَى وَالْجُنْدِيُّ تَبَعٌ لِلْأَمِيرِ وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا تَكُونُ تَبَعًا لِلزَّوْجِ إذَا وَفَّاهَا مَهْرَهَا الْمُعَجَّلَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوفِ فَلَا تَكُونُ تَبَعًا لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ السَّفَرِ بِهَا، وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَهُ وَالْجُنْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْأَمِيرِ إذَا كَانَ يَرْتَزِقُ مِنْ الْأَمِيرِ وَمِنْ الْأَتْبَاعِ الْأَجِيرُ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالتِّلْمِيذُ مَعَ أُسْتَاذِهِ وَالْمُكْرَهُ عَلَى السَّفَرِ وَالْأَسِيرُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّابِعُ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ الْإِقَامَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى يَعْلَمَ كَمَا فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) صُورَتُهُ مَنْ سَافَرَ بِنِيَّةِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ الْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَوْ التَّمَرُّدِ عَلَى الْمَوْلَى بِأَنْ أَبَقَ الْعَبْدُ أَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ نِسَاءٍ ثِقَاتٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا إطْلَاقُ النُّصُوصِ) أَيْ نُصُوصِ الرُّخْصَةِ قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا» وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ تَعْلِيقَ الْقَصْرِ عَلَى مُسَمَّى السَّفَرِ فَوَجَبَ إعْمَالُ إطْلَاقِهَا إلَّا بِمُقَيَّدٍ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، ثُمَّ نَصُّ الْكِتَابِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي الصَّوْمِ لَكِنْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ فَكَأَنَّ زِيَادَةَ قَيْدِ الْإِبَاحَةِ فِيهِ تَجْرِي مَجْرَى النَّسْخِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَوْ يُجَاوِرُهُ) كَالْإِبَاقِ وَنَحْوِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ دُونَ التَّبَعِ إلَخْ) أَمَّا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا يَصِيرُ تَبَعًا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ صَلَّى بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ عَامَ حَجِّهِ مَعَ الرَّشِيدِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْهُمْ نَحْنُ أَفْقَهُ بِهَذَا مِنْك فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَوْ كُنْت فَقِيهًا مَا تَكَلَّمْت فِي الصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: ذُكِرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَرِوَايَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ أَنَّهُ مُقِيمٌ أَوْ مُسَافِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ عَبَثًا لِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَا يُفِيدُ، وَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِكَوْنِهِ مُقِيمًا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ كَذِبًا عِنْدَهُمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الِاقْتِدَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي نَوَادِرِ الْمَبْسُوطِ رَجُلٌ صَلَّى بِالْقَوْمِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ فَصَلَاةُ الْقَوْمِ فَاسِدَةٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُقِيمِينَ أَوْ مُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَنَّهُ مُقِيمٌ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ حِينَ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ سَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ إنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ أَوْ مُقِيمِينَ فَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ بَعْدَ فَرَاغِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فِيمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ قَوْلُهُ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إصْلَاحِ صَلَاةِ الْقَوْمِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِمَا أَنَّهُ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ سَلَّمُوا لِسَلَامِهِ.
وَإِنْ كَانُوا مُقِيمِينَ قَامُوا وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَإِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةُ إعْلَامٍ أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَاقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا أَمْرًا وَاجِبًا، وَكَانَ مُسْتَحَبًّا وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَإِذَا لَمْ يُخْبِرْ أَخْبَرَ بَعْدَ السَّلَامِ. اهـ. وَلَوْ قَامَ الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ رُفِضَ ذَلِكَ وَتَابَعَ الْإِمَامَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَجَدَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْكَمْ خُرُوجُهُ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ بِوَاسِطَةِ التَّغَيُّرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فِيهِمَا فَإِذَا انْفَرَدَ فَسَدَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ بَعْدَ مَا سَجَدَ الْمُقْتَدِي فَإِنَّهُ يُتِمُّ مُنْفَرِدًا فَلَوْ رَفَضَ فَتَابَعَ فَسَدَتْ لِاقْتِدَائِهِ حَيْثُ وَجَبَ الِانْفِرَادُ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَالْأَسِيرُ إلَخْ)، وَفِي حُكْمِ الْأَسِيرِ مَنْ بَعَثَ إلَيْهِ الْمَوْلَى لِيُؤْتَى بِهِ مِنْ بَلَدِهِ وَالْغَرِيمُ إذْ أَلْزَمَهُ غَرِيمُهُ أَوْ حَبَسَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَمَنْ قَصْدُهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالنِّيَّةُ فِي السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ نِيَّتُهُ وَإِلَّا فَنِيَّةُ الْحَابِسِ. اهـ. فَتْحٌ.
وَفِي الدِّرَايَةِ وَالْغَرِيمُ الْمُفْلِسُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ. اهـ. وَفِي الدِّرَايَةِ مُسْلِمٌ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ إنْ كَانَ مَسِيرَةُ الْعَدُوِّ مُدَّةَ سَفَرٍ يَقْصُرُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يَسْأَلُهُ فَإِنْ سَأَلَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسَافِرًا يَقْصُرُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْعَبْدُ يَسْأَلُ سَيِّدَهُ وَالْأَعْمَى إنْ كَانَ لَهُ قَائِدٌ فِي السَّفَرِ فَإِذَا كَانَ أَجِيرًا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْأَعْمَى، وَإِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ مِنْ الْمَتْبُوعِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ أَمَّ سَيِّدَهُ فِي السَّفَرِ فَنَوَى السَّيِّدُ الْإِقَامَةَ صَحَّتْ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ الْعَبْدُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقِيمٍ حَالَ سَفَرٍ وَالْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ أَمَّ مَعَ السَّيِّدِ غَيْرَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute