فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ بَلْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ، وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِهِ فَكَيْفَ يَنْمُو مَالُهُمَا، وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ النَّامِي، وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ، وَلَا يَلْزَمُنَا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَلِهَذَا تَتَأَدَّى بِدُونِ النِّيَّةِ، وَهُمَا أَهْلٌ لَهَا، وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ فِيهِ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَفِي الْأَرْضِ الْوَقْفِ، وَكَذَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْأَبِ عَنْ أَوْلَادِهِ، وَلَا يَجْرِي التَّحَمُّلُ فِي الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ ثُمَّ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ، وَكَذَا إذَا أَفَاقَ الْمَجْنُونُ الْأَصْلِيُّ، وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يُنْظَرُ فَإِنْ اسْتَوْعَبَ جُنُونُهُ حَوْلًا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْعَبَ مُدَّةَ التَّكْلِيفِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ جُنُونُهُ أَقَلَّ مِنْ الشَّهْرِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ أَفَاقَ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا إذْ هِيَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْكُفْرِ فَكَذَا لَا تَجِبُ مَعَهُ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ إذْ الرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ لِيُمَلِّكَ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مِلْكُ النِّصَابِ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَوْلِيًّا أَيْ تَمَّ عَلَيْهِ حَوْلٌ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ النَّامِي لِكَوْنِ الْوَاجِبِ جُزْءٍ مِنْ الْفَضْلِ لَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] أَيْ الْفَضْلَ، وَالنُّمُوُّ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْحَوْلِ غَالِبًا أَمَّا الْمَوَاشِي فَظَاهِرٌ، وَكَذَا أَمْوَالُ التِّجَارَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْحَوْلُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ، وَهُوَ النُّمُوُّ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فَارِغًا عَنْ الدَّيْنِ، وَعَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَدُورِ السُّكْنَى وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا فَلِأَنَّ الْمَشْغُولَ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ إلَى آخِرِهِ) وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ أَضَافَ الْأَكْلَ إلَى جَمِيعِ الْمَالِ وَالنَّفَقَةُ هِيَ الَّتِي تَأْكُلُ جَمِيعَ الْمَالِ دُونَ الزَّكَاةِ قُلْت هَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ زَكَاةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعُشْرُ الْغَالِبُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ لَا تَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَهُ حَتَّى تُصْرَفَ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ حَقِيقَةً. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ إفَاقَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ صَارَ أَهْلًا كَمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ وَلِهَذَا مُنِعَ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. غَايَةٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْبَدَائِعِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْهِدَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ يُوهِمُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ، وَإِنْ جُنَّ بَعْضَ السَّنَةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ إنْ أَفَاقَ سَاعَةً مِنْهَا فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي وَسَطِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا تَجِبُ زَكَاةُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْوَبَرِيِّ، وَفِي الْيَنَابِيعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ مُفِيقًا فِي نِصْفِ السَّنَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِسْلَامُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ثُمَّ الْإِسْلَامُ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهَا سَقَطَتْ كَمَا فِي الْمَوْتِ فَلَوْ بَقِيَ عَلَى ارْتِدَادِهِ سِنِينَ فَبَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِتِلْكَ السِّنِينَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ وَكَذَا بِالْمَوْتِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَنَا أَنَّهَا عِبَادَةٌ فَتَسْقُطُ بِهَا كَالصَّلَاةِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ. اهـ. قَالَ فِي الْغَايَةِ وَالنَّظَرُ التَّاسِعُ فِي مُسْقِطَاتِهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ مِنْهَا رُجُوعُ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ مَا حَالَ الْحَوْلُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِهِ وَمِنْهَا الرِّدَّةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِيهِ غَالِبًا) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ لِمَا يُبْتَذَلُ مِنْ الثِّيَابِ. اهـ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَأَثَاثِ الْمَنَازِلِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَسِلَاحِ الِاسْتِعْمَالِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَكَذَا الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ وَالْجِمَالُ يُؤَجِّرُهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكُتُبِ الْفِقْهِ لِأَهْلِهَا) أَيْ وَلِغَيْرِ أَهْلِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَكَذَا طَعَامُ أَهْلِهِ وَمَا يَتَجَمَّلُ بِهِ مِنْ الْأَوَانِي إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكَذَا اللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ وَالْيَاقُوتُ والبلخش وَالزُّمُرُّدُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْفُصُوصِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، وَكَذَا آلَاتُ الْمُحْتَرَفِينَ كَقُدُورِ الصَّبَّاغِينَ، وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِينَ وَظُرُوفِ الْأَمْتِعَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ اشْتَرَى جَوَالِقَ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ يُؤَجِّرُهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ نَخَّاسًا اشْتَرَى دَوَابَّ يَبِيعُهَا أَوْ غَيْرَهَا فَاشْتَرَى لَهَا جِلَالًا وَمَقَاوِدَ وَنَحْوَهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَّتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَعَهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَبِيعَهَا آخِرًا فَلَا عِبْرَةَ لِهَذِهِ النِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. اهـ. غَايَةٌ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَقَالُوا فِي نَخَّاسِ الدَّوَابِّ إذَا اشْتَرَى الْمَقَاوِدَ وَالْجِلَالَ وَالْبَرَاذِعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُبَاعُ مَعَ الدَّوَابِّ عَادَةً يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا تُبَاعُ، وَلَكِنْ تُمْسَكُ وَتُحْفَظُ بِهَا الدَّوَابُّ فَهِيَ مِنْ آلَاتِ الصُّنَّاعِ فَلَا يَكُونُ مَالَ التِّجَارَةِ إذَا لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ عِنْدَ شِرَائِهَا. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute