للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ الْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَطَشِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ لِلْعُمُومَاتِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً، وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ حَتَّى تَخْلُصَ أَمْوَالُهُ فَيُؤَدِّيَ مِنْهَا الزَّكَاةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْغِنَى بِالْمَالِ الْمُسْتَقْرَضِ مَا لَمْ يَقْضِهِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ حَيْثُ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَالِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَا الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ بِدُونِهِمَا، وَفِيمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُ تَزْكِيَةُ مَالٍ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا بِأَنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ يُسَاوِي أَلْفًا فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَاعَهُ الْآخَرُ كَذَلِكَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ مَثَلًا فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَكَاةُ أَلْفٍ، وَالْمَالُ فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ فُسِخَتْ الْبِيَاعَاتِ بِعَيْبٍ رَجَعَ إلَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ.

وَلَا فَرْقَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ وَالْمُرَادُ بِالدَّيْنِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَدَيْنَ الزَّكَاةِ مَانِعٌ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ، وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَهْلِهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَهِيَ تُسَاوِي نِصَابًا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْكُتُبِ لِلتَّدْرِيسِ وَالْحِفْظِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَخْرُجُونَ بِهَا عَنْ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ سَاوَتْ نِصَابًا فَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ نُسَخٌ تُسَاوِي نِصَابًا كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ نُسْخَتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ فَإِنَّ النُّسْخَتَيْنِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا لِتَصْحِيحِ كُلٍّ مِنْ الْأُخْرَى وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَهْلِ فَإِنَّهُمْ يُحْرَمُونَ بِهَا أَخْذَ الزَّكَاةِ إذْ الْحِرْمَانُ تَعَلَّقَ بِمِلْكِ قَدْرِ نِصَابٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَامِيًا، وَإِنَّمَا النَّمَاءُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ ثُمَّ الْمُرَادُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي الْكُتُبِ إنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْحِفْظِ وَالدِّرَاسَةِ وَالتَّصْحِيحِ لَا يَكُونُ نِصَابًا وَحَلَّ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ فِقْهًا كَانَ أَوْ حَدِيثًا أَوْ أَدَبًا كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمُصْحَفُ عَلَى هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لَوْ كَانَ لَهُ كُتُبٌ إنْ كَانَتْ كُتُبَ النُّجُومِ وَالْأَدَبِ وَالطِّبِّ وَالتَّعْبِيرِ يُعْتَبَرُ.

وَأَمَّا كُتُبُ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْمُصْحَفُ الْوَاحِدُ فَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نُسْخَةً مِنْ النَّحْوِ أَوْ نُسْخَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ النِّصَابِ وَكَذَا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامِ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ بِالْآرَاءِ بَلْ مَقْصُورٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ إلَى آخِرِهِ) وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ) أَيْ دُونَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ لِلَّهِ كَالزَّكَاةِ أَوْ لَهُمْ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفِ وَأَرْشِ الْجِرَاحَةِ وَمَهْرِ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا. اهـ. بَاكِيرٌ أَيْضًا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ بَعْدَ الْقَضَاءِ إذْ نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا فِي الْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ نَفَقَتَهُمْ لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ حَتَّى تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا فَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْحَاكِمُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَمَرَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ فَتَصِيرُ دِينًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ) أَيْ وَالْحَجُّ وَنَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْمُطَالَبَةِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ أَمَّا النُّذُورُ وَالْكَفَّارَاتُ وَدَيْنُ الْحَجِّ فَلِأَنَّهَا يُفْتَى بِهَا، وَلَا يُحْبَسُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحَارِمِ وَالزَّوْجَاتِ فَلِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا. اهـ. غَايَةٌ، وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ دَيْنُ النَّذْرِ لَا يُمْنَعُ وَمَتَى اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ بَطَلَ النَّذْرُ فِيهِ. بَيَانُهُ: لَهُ مِائَتَانِ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِمَا سَقَطَ النَّذْرُ بِقَدْرِ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ اُسْتُحِقَّ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ وَيَتَصَدَّقُ لِلنَّذْرِ بِسَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ عَنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ اللَّهِ فَلَا تَبْطُلُ بِتَعْيِينِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ بِمِائَةٍ مُطْلَقَةٍ لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنْذُورِ الذِّمَّةُ فَلَوْ تَصَدَّقَ بِمِائَةٍ مِنْهُمَا لِلنَّذْرِ يَقَعُ دِرْهَمَانِ فَنِصْفٌ لِلزَّكَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهَا عَنْ النَّذْرِ. اهـ. وَكَذَا أَيْضًا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْأَضْحَى لِعَدَمِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ وَنَفَقَةٍ فُرِضَتْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُطَالِبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَقَطَ، وَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ مُتَيَقِّنًا لِاحْتِمَالِ إجَازَةِ صَاحِبِ الْمَالِ الصَّدَقَةَ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: وَدَيْنُ الزَّكَاةِ مَانِعٌ إلَى آخِرِهِ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ لَمْ يُزَكِّهِ فِيهِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ خَمْسَةً مِنْهَا مَشْغُولَةٌ بِدَيْنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْفَاضِلُ فِي الْحَوْلِ الثَّانِي عَنْ الدَّيْنِ نِصَابًا كَامِلًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُزَكِّهَا حَوْلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَالْحَوْلِ الثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ) صُورَتُهُ لَهُ نِصَابٌ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَلَمْ يُزَكِّهِ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ اسْتَفَادَ غَيْرَهُ وَحَالَ عَلَى النِّصَابِ الْمُسْتَفَادِ الْحَوْلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِاشْتِغَالِ خَمْسَةٍ مِنْهُ بِدَيْنِ الْمُسْتَهْلَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>