الصُّوَرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِئْصَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخَذَ مِنَّا رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفَهُ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرَ بِشَرْطِ نِصَابٍ وَأَخْذِهِمْ مِنَّا) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ ضِعْفُهُ وَهُوَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ الْحَرْبِيِّ ضِعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ الْعُشْرُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ زَكَاةً هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَكَانَ الْإِمَامُ أَخَذَهُ لِلْحِمَايَةِ وَهُوَ يَحْمِي مَالَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ أَيْضًا فَيَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْأَخْذِ فَيُقَدِّرُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الذِّمِّيِّ بِضِعْفِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ إظْهَارًا لِلصَّغَارِ عَلَيْهِمْ وَيُضَعِّفُ ذَلِكَ مِنْ الْحَرْبِيِّ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ وَلِأَنَّ حَاجَةَ الذِّمِّيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ إلَيْهَا لِأَنَّ طَمَعَ اللُّصُوصِ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ أَكْثَرُ وَكَذَا حَاجَةُ الْحَرْبِيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ لِمَا أَنَّ طَمَعَهُمْ فِي مَالِهِ أَكْثَرُ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَاوُتِ. وَقَوْلُهُ بِشَرْطِ نِصَابٍ أَيْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ مَالُهُ نِصَابًا أَمَّا مِنْ الذِّمِّيِّ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ الزَّكَاةِ فَصَارَ شَرْطُهُ شَرْطَ الزَّكَاةِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ فَلِأَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ لِحَاجَتِهِ إلَى مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَمَا دُونَ النِّصَابِ قَلِيلٌ فَالْأَخْذُ مِنْ مِثْلِهِ يَكُونُ غَدْرًا وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزُلْ عَفْوًا وَهُوَ لِلنَّفَقَةِ عَادَةً فَأَخْذُهُمْ مِنَّا مِنْ مِثْلِهِ ظُلْمٌ وَخِيَانَةٌ لَا مُتَابَعَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّا مَتَى عَرَفْنَا مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِثْلَهُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ الْعُشْرَ لِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ فَالْعُشْرُ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ نَأْخُذُ مِنْهُمْ الْجَمِيعَ إلَّا قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدْرَ ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهِ ثُمَّ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنَّا لَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِالْمَكَارِمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ نِصَابٍ وَأَخْذِهِمْ مِنَّا لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ يُثَنِّ فِي حَوْلٍ بِلَا عَوْدٍ) أَيْ إذَا أَخَذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ مَرَّةً لَا يَأْخُذُ مِنْهُ ثَانِيًا فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ الْأَخْذَ لِحِفْظِهِ وَلَوْ أَخَذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَسْتَأْصِلُهُ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضِعِهِ بِالنَّقْضِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ تَثْبُتُ بِالْأَمَانِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ مَا دَامَ فِي دَارِنَا وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ الْأَمَانُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي دَارِنَا حَوْلًا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا بَعْدَ الْحَوْلِ إلَّا بِأَمَانٍ جَدِيدٍ وَلَوْ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ فَأَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ وَمَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمَانَ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِدُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَقَدْ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يُفْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ فِي حَوْلٍ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا زَكَاةٌ أَوْ ضِعْفُهَا وَهِيَ لَا تَجِبُ فِي الْحَوْلِ مَرَّتَيْنِ وَيُرْوَى أَنَّ حَرْبِيًّا نَصْرَانِيًّا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ عُمَرَ بِفَرَسٍ لِيَبِيعَهُ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهُ أَلْفَيْنِ ثُمَّ لَمْ يَتَّفِقْ بَيْعُهُ فَرَجَعَ وَمَرَّ عَلَيْهِ عَائِدًا إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَطَلَبَ مِنْهُ الْعُشْرَ فَقَالَ إنْ أَدَّيْت عُشْرَهُ كُلَّمَا مَرَرْت بِك لَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ فَتَرَك الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَجَاءَ إلَى عُمَرَ فَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَصْحَابِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ إذَا قَالَ أَدَّيْت أَنَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ قَالَ أَدَّيْته إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الزَّكَاةِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَقَدْ وُجِدَتْ الْحِمَايَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأَخْذِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ الْأَمَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ الْمُجَازَاةُ بِالتَّاءِ الْمُدَوَّرَةِ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ لَا جَمْعُ مُؤَنَّثٍ ثُمَّ أَنَّ عُمَرَ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى حِينَ نَصَبَ الْعَشَّارَ حَيْثُ قِيلَ لَهُ كَمْ يَأْخُذْ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ الْحَرْبِيُّ فَقَالَ كَمْ يَأْخُذُونَ مِنَّا قَالَ الْعُشْرُ قَالَ خُذْ مِنْهُمْ الْعُشْرَ وَلَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ أَنَّ أَخَذْنَا بِمُقَابَلَةِ أَخْذِهِمْ فَإِنَّ أَخْذَهُمْ ظُلْمٌ وَأَخْذُنَا حَقٌّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّا إذَا عَامَلْنَاهُمْ بِمِثْلِ مَا يُعَامِلُونَا كَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ وَاتِّصَالِ التِّجَارَاتِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِذَلِكَ أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ وَاجِبٌ لِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ الْكِتَابُ وَيَتْبَعُهُ شَرَائِعُ مَنْ قَبْلَنَا وَالسُّنَّةُ وَيَتْبَعُهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالْإِجْمَاعُ وَيَتْبَعُهُ عَمَلُ النَّاسِ وَالْقِيَاسُ وَيَتْبَعُهُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ اهـ دِرَايَةٌ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ مَرَّ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمَا ثُمَّ مَرَّا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي يُؤْخَذُ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ ثَبَتَ وَالْمُسْقِطُ لَمْ يُوجَدْ اهـ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعْيَاكُمْ) أَيْ عَجَزْتُمْ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا قَدْرَ مَا يُوَصِّلُهُ) أَيْ لِأَنَّ أَخْذَ الْجَمِيعِ غَدْرٌ. اهـ. هِدَايَةٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدْرَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ رَدُّهُ عَلَيْهِ) وَقِيلَ نَأْخُذُ الْكُلَّ مُجَازَاةً زَجْرًا لَهُمْ عَنْ مِثْلِهِ مَعَنَا قُلْنَا ذَلِكَ بَعْدَ إعْطَائِهِ الْأَمَانَ غَدْرٌ وَلَا نَتَخَلَّقُ نَحْنُ بِهِ لِتَخَلُّقِهِمْ بِهِ بَلْ نُهِينَا عَنْهُ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلُوا الدَّاخِلَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إعْطَاءِ الْأَمَانِ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ كَذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَمَرَّ عَلَيْهِ أَخَذَ مِنْهُ ثَانِيًا) أَيْ وَثَالِثًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فِي يَوْمِهِ) أَيْ لِقُرْبِ الدَّارَيْنِ وَاتِّصَالِهِمَا كَمَا فِي جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَتَرَك الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَجَاءَ إلَى عُمَرَ) أَيْ بِمَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. غَايَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute