للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَالْمَضْغُ أَوْلَى وَأَمَّا مَضْغُ الْعِلْكِ فَلِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ آكِلًا وَفَسَدَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ وَذِكْرُ الْعِلْكِ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ لَا يُفَطِّرُ وَمُحَمَّدٌ أَيْضًا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْضُوغٍ يُفَطِّرُ لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ وَيَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ وَقِيلَ فِي الْأَسْوَدِ يُفَطِّرُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا وَفِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ لِأَنَّ بِنْيَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ فَلَا تَحْتَمِلُ السِّوَاكَ وَهُوَ يُنَقِّي الْأَسْنَانَ وَيَشُدُّ اللِّثَةَ كَالسِّوَاكِ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِخِلَافِ النِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَخِيطُ بِخَيْطٍ مَصْبُوغٍ وَهُوَ يَبُلُّ بِرِيقِهِ وَيَبْلَعُهُ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ وَصَارَ مِثْلَ صِبْغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا كَحْلٌ وَدَهْنُ شَارِبٍ وَسِوَاكٌ وَالْقُبْلَةُ إنْ أَمِنَ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لِلصَّائِمِ أَمَّا الْكُحْلُ فَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اكْتَحَلَ وَهُوَ صَائِمٌ» وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الزِّينَةَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا أَوْ صَائِمًا وَأَمَّا دَهْنُ الشَّارِبِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُنَافِي فِي الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ يَحْرُمُ فِيهِ الدَّهْنُ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَلِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِ عَنْهُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهِيَ الْقَبْضَةُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يُقَصُّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا أَوْرَدَهُ أَبُو عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مِنْ سَعَادَةِ الرَّجُلِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ أَكْلًا) وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ إلَى بَاطِنِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا) أَيْ لِأَنَّهُ يُفَتَّتُ وَإِنْ مُضِغَ وَالْأَبْيَضُ يَتَفَتَّتُ قَبْلَ الْمَضْغِ فَيَصِلُ إلَى الْجَوْفِ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ عَدَمَ الْفَسَادِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فَإِذَا فُرِضَ فِي مَضْغِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقَّنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ) أَيْ فَهُوَ مُبَاحٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ النِّسَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ. اهـ. فَتْحٌ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ تَرْكُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ لَا كَحْلٌ وَدَهْنٌ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ مَصْدَرَانِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُمَا وَيَكُونُ الْمَعْنَى اسْتِعْمَالُهُمَا كَذَا قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَدَهْنُ الشَّارِبِ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وَبِضَمِّهَا عَلَى إقَامَةِ اسْمِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَفِي الْأَمْثِلَةِ عَجِبْت مِنْ دُهْنِك لِحْيَتَك بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ التَّاءِ عَلَى هَذِهِ الْإِقَامَةِ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قُصِدَ بِهِ دُونَ الزِّينَةِ وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ دُونَ الزِّينَةِ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ قَيَّدَ دَهْنَ الشَّارِبِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ وَفِي الْكَافِي يُسْتَحْسَنُ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ فَقُيِّدَ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَصْدِ فَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ تَبَرُّجٌ بِالزِّنْيَةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ عَشْرَ خِصَالٍ ذَكَرَ مِنْهَا التَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّهَا» وَسَنُورِدُهُ بِتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْكَرَاهَةِ وَمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ «أَبِي قَتَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ لِي جَمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا قَالَ نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا» فَإِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قَصْدِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِحَظِّ النَّفْسِ الطَّالِبَةِ لِلزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْجَمَالَ الْمَطْلُوبَ يَتَحَقَّقُ مَعَ دُونِ هَذَا الْمِقْدَارِ وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ فَسُئِلَ ابْنُ بَرِيرَةَ عَنْ الْإِرْفَاهِ قَالَ التَّرْجِيلُ» وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّرْجِيلُ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى حَدِّ الزِّينَةِ لَا مَا كَانَ لِقَصْدِ دَفْعِ أَذَى الشَّعْرِ وَالشَّعَثِ هَذَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدِ مَطْلُوبٍ فَلَمْ يَضُرَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْقُبْضَةُ) بِضَمِّ الْقَافِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ) يَجِبُ قَطْعُهُ. اهـ. فَتْحٌ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى) يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْن عُمْر رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْقَبْضَةُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى عَنْ الْهَيْثَمِ بْن أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقَبْضَةِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْمُقَفَّعِ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَفْطَرَ قَالَ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»

وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْن أَيُّوبَ مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقَبْضَةِ، فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّسْخِ كَمَا هُوَ أَصْلُنَا فِي عَمَلِ الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>