وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» وَلِأَنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ فَيُسْتَحَبُّ كَالْمَضْمَضَةِ وَإِطْلَاقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ يَتَنَاوَلُ الْمَبْلُولَ بِالْمَاءِ وَغَيْرَهُ وَكَرِهَهُ أَبُو يُوسُفَ بِالرَّطْبِ وَالْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْأَثَرِ الْمَحْمُودِ فَشَابَهَ دَمَ الشَّهِيدِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا ذَكَرْنَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لَا أَعُدُّهُ وَلَا أُحْصِيهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِيهِ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهَا بِزَمَانٍ بِالرَّأْيِ وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَاكُ وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِحَالِهِ عِنْدَ رَبِّهِ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ لَا مِنْ الْفَمِ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْفَمِ لَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ قَبْلَهُ لِأَنَّ تَعَاهُدَهُ بِالسِّوَاكِ قَبْلَهُ يَمْنَعُ وُجُودَهُ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ وَالْأَلْيَقُ بِهِ الْإِخْفَاءُ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ وَمِنْ شَأْنِ حُجَّةِ الْمَظْلُومِ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً غَيْرَ خَفِيَّةٍ وَمَدْحُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْخُلُوفَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ الْكَلَامِ مَعَهُ لِتَغَيُّرِ فَمِهِمْ فَمَنَعَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِذِكْرِ شَأْنِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَتَفْخِيمِ حَالِهِ وَدَعَاهُمْ إلَى الْكَلَامِ مَعَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ يَتَمَضْمَضُ بِالْمَاءِ فَكَيْفَ يُكْرَهُ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْعُودِ الرَّطْبِ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَبْقَى فِي فَمِهِ مِنْ الْبَلَلِ مِنْ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا بِعُودٍ فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ ثُمَّ يَغْسِلَ فَمَه بَعْدَهُ وَذُكِرَ فِي السِّوَاكِ عَشْرُ خِصَالٍ يَشُدُّ اللِّثَةَ وَيُنَقِّي الْخُضْرَةَ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيُذْهِبُ الْمُرَّةَ وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَتَمَامٌ لِلْوُضُوءِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَيَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ وَيُصَحِّحُ الْجِسْمَ وَيُوَافِقُ السُّنَّةَ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا بِشُعَبِهَا فَلَا نُعِيدُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عُمَيْرٍ الرَّاوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُحْمَلَ الْإِعْفَاءُ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ غَالِبُهَا أَوْ كُلُّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ هَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةِ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ) الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ «مِنْ خَيْرِ خُلَلِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ مُجَالِدٌ ضَعَّفَهُ كَثِيرٌ اهـ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ وَالْخِلَالُ جَمْعُ خَلَّةٍ وَهِيَ الْخَصْلَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ) الْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ وَحَكَى الْقَابِسِيُّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ خَلَفَ فَمُهُ وَأَخْلَفَ إذَا تَغَيَّرَ بِخُلُوِّ الْمَعِدَةِ لِأَجْلِ تَرْكِ الْأَكْلِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَجِدُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِ ثَوَابِهِ وَأَجْرِهِ وَقِيلَ يَعْبَقُ فِي الْآخِرَةِ أَطْيَبَ مِنْ عَبَقِ الْمِسْكِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ فَضْلُ تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِ كَفَضْلِ الْمِسْكِ عِنْدَ الْعِبَادِ عَلَى الرَّوَائِحِ الْمُتَغَيِّرَةِ وَلَيْسَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوصَفُ بِالشَّمِّ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ طِيبُهُ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ الْجَمِيلُ وَثَوَابُهُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْخُلُوفَ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ) بَلْ إنَّمَا يَزُولُ أَثَرُهُ الظَّاهِرُ عَلَى السِّنِّ مِنْ الِاصْفِرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَهُ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالسِّوَاكُ لَا يُفِيدُ شَغْلَهَا بِطَعَامٍ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ. اهـ. فَتْحٌ
١ -
(فُرُوعٌ) صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ وَقِيلَ بَلْ يُفَرِّقُهَا فِي الشَّهْرِ وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى اعْتِقَادِ لُزُومِهَا مِنْ الْعَوَامّ لِكَثْرَةِ الْمُدَاوَمَةِ وَلِذَا سَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ يَوْمَ الْفِطْرِ نَحْنُ إلَى الْآنِ لَمْ يَأْتِ عِيدُنَا أَوْ نَحْوُهُ فَأَمَّا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ أَيَّامٍ نُهِينَا عَنْ تَعْظِيمِهَا فَإِنْ وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَلَا بَأْسَ وَمَنْ صَامَ شَعْبَانَ وَوَصَلَهُ بِرَمَضَانَ فَحَسَنٌ وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ مَا لَمْ يَظُنَّ إلْحَاقَهُ بِالْوَاجِبِ وَكَذَا صَوْمُ عَاشُورَاءَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ وَلِلْحَاجِّ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَهُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ لِإِخْلَالِهِ بِالْأَهَمِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْظُورٍ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَسَيَأْتِي صَوْمُ يَوْمِ الْمُسَافِرِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الصَّمْتِ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَتَكَلَّمَ يَعْنِي يَلْتَزِمُ عَدَمَ الْكَلَامِ بَلْ يَتَكَلَّمُ بِخَيْرٍ وَبِحَاجَتِهِ إنْ عَنَّتْ
وَيُكْرَهُ صَوْمُ الْوِصَالِ وَلَوْ يَوْمَيْنِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ أَوْ يَصِيرُ طَبْعًا لَهُ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَلَا يَحِلُّ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ الْجُمُعَةِ مُفْرَدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ التَّطَوُّعَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا وَكَذَا الْمَمْلُوكُ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيِّدِ إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ ضَرَرٌ بِالسَّيِّدِ فِي مَالِهِ وَكُلُّ صَوْمٍ وَجَبَ عَلَى الْمَمْلُوكِ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ كَالنُّذُورِ وَصِيَامَاتِ الْكَفَّارَاتِ كَالنَّفْلِ إلَّا كَفَّارَةَ الظِّهَارِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ فِي الظِّهَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ إلَى آخِرِهِ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا كَانَتْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونَ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى وَالْيَوْمُ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى اهـ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute