وَالْمَرِيضُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَا مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَمَّا الْقَضَاءُ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ التَّرْتِيبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعْهُ» وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ تَقْطِيعِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَاهُ دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ حَتَّى قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهَلْ كَانَ قَاضِيًا دَيْنَهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ» قَالَ أَبُو عُمَرَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا مَضَى فَكَذَا الْقَضَاءُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا قُلْتُمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ قُلْنَا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ لَيْسَتْ بِمَشْهُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا لِأَنَّهُ نُسِخَ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُرَتَّبًا مُتَتَابِعًا مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ جَاءَ رَمَضَانُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ الثَّانِي صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ ثُمَّ صَامَ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ إنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِزَمَانٍ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَهَا وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ كَانَ يَكْذِبُ وَفِيهِ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ فِيهِ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إنْ خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» وَلِأَنَّهُمَا يَلْحَقُهُمَا الْحَرَجُ بِالصَّوْمِ فَيُشْرَعُ الْإِفْطَارُ فِي حَقِّهِمَا كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرُهُ إذَا خَافَتَا عَلَى نَفْسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا إذْ لَا وَلَدَ لِلْمُسْتَأْجَرَةِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَصَارَتْ كَالظِّئْرِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْوَلَدِ فَأَفْطَرَتْ فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ وَهُوَ الْوَلَدُ فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ كَإِفْطَارِ الشَّيْخِ الْفَانِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) يَعْنِي دَاوُد وَأَهْلَ الظَّاهِرِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَخْ) رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالدَّوَاوِينِ وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودِ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْآحَادِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْغَايَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ) أَيْ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ) بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَالنُّونَ الْمَزِيدَتَيْنِ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ، شَرْطُ عَدَمِ انْصِرَافِهِ الْعَلَمِيَّةُ وَهُنَا وَصَفَهُ بِآخِرَ نَكِرَةٍ دَلِيلُ نَكَارَتِهِ انْتَهَى دِرَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْحَامِلِ الْفِطْرُ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَلَى الْوَلَدِ) رَاجِعٌ إلَى الْمُرْضِعِ وَقَوْلُهُ أَوْ النَّفْسُ رَاجِعٌ إلَى الْحَامِلِ انْتَهَى عَيْنِيٌّ قَالَ الْقِوَامُ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا لَبَنٌ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي آخِرِهِمَا كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ وَلِلْبَصْرِيِّينَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مَذْهَبَانِ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ بِمَعْنَى النَّسَبِ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ بِمَعْنَى ذَاتِ حَمْلٍ وَذَاتِ إرْضَاعٍ وَذَاتِ حَيْضٍ وَذَاتِ طَلَاقٍ
وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ يُؤَوَّلُ بِإِنْسَانٍ أَوْ شَيْءٍ حَامِلٍ أَوْ حَائِضٍ وَكَذَا فِي الْبَاقِي فَإِذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ أَوْ غَدًا فَافْهَمْ وَفِي كِتَابِ الْإِصْلَاحِ عَنْ الْفَرَّاءِ يُقَالُ هَذِهِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ إذَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَمَنْ قَالَ حَامِلٌ قَالَ هَذَا نَعْتٌ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُؤَنَّثِ وَمَنْ قَالَ حَامِلَةٌ بَنَاهُ عَلَى حَمَلَتْ انْتَهَى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: ٢] فَإِنْ قُلْت لِمَ قَالَ مُرْضِعَةٍ دُونَ مُرْضِعٍ قُلْت الْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلَقِّمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرْضِعَ وَلَمْ تُبَاشِرْ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَضْعِهَا فَقِيلَ مُرْضِعَةٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَوْلَ إذَا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وَقَدْ أَلْقَمَتْ الرَّضِيعَ ثَدْيَهَا نَزَعَتْهُ عَنْ فِيهِ لِمَا لَحِقَهَا مِنْ الدَّهْشَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ أَبٌ لَا تُفْطِرُ الْأُمُّ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَالْإِرْضَاعُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ ضَرْعَ غَيْرِهَا أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ضَرْعَ غَيْرِ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ الْإِرْضَاعُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ إلَخْ) وَكَذَا عِبَارَةُ غَيْرِ الْقُدُورِيِّ تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأُمِّ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ إلَخْ) قُلْت الْمُرْضِعُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الظِّئْرَ وَالْأُمَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ هَذَا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلِهَذَا أَطْلَقَ بِذِكْرِ الْوَلَدِ وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute