للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ خِلَافُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَالطِّفْلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ وَهِيَ قَدْ أَتَتْ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ كَفَّارَةٌ وَهِيَ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَلْ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ بِالْجِمَاعِ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهَا هُنَا بِالْأَكْلِ بِعُذْرٍ وَهَذَا خُلْفٌ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لِلشَّيْخِ الْفَانِي الْفِطْرُ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مِنْ الْعَطْفِ وَهُوَ وَحْدَهُ يَفْدِي دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ} [البقرة: ١٨٤] أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ لَا إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: ٨٥] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ فَلَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحْطَاوِيُّ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالْمُسَافِرَ إذَا مَاتَ فِي حَالِ السَّفَرِ فَصَارَ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: ١٨٤] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا نَسَخَتْهَا» وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ سَلَمَةَ لِأَنَّهُ أَفْقَهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَعْذَارِ مِثْلُ رَمَضَانَ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا وَمَاتَ فِي السَّفَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَقْضِي) أَيْ لِمَنْ يَصُومُ النَّفَلَ أَنْ يُفْطِرَ فِي رِوَايَةٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ «دَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا قَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ ثُمَّ أَتَى يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ إلَيْنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا فَأَكَلَ» وَزَادَ النَّسَائِيّ وَلَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَصَحَّحَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يَذْكُرْ مِثْلَ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى ع

(قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي) وَفِي الْمَنَافِعِ الْفَانِي الَّذِي قَارَبَ الْفَنَاءَ أَوْ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ انْتَهَى غَايَةٌ وَفِي جَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَا يُرْجَى لَهُ الْأَدَاءُ وَلَا يُرْجَى لَهُ عَوْدُ الْقُوَّةِ وَيَكُونُ مَآلُهُ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الْهَرَمِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا) وَأَيْضًا لَوْ كَانَ لَكَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ مُقَدَّمًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ عَنْ سَمَاعٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ فَجَعَلَهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَلْبَتَّةَ وَكَثِيرًا مَا يُضْمَرُ حَرْفُ لَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: ٨٥] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَفِيهِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: ١٧٦] {رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: ١٥] وَقَالَ الشَّاعِرُ

فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لِدِيكِ وَأَوْصَالِي

أَيْ لَا أَبْرَحُ وَقَالَ

تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيت بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ

أَيْ لَا تَنْفَكُّ وَرِوَايَةُ الْأَفْقَهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] لَيْسَ نَصًّا فِي نَسْخِ إجَازَةِ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِير

قَوْلُهُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَيْ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ اهـ هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) أَيْ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْهَرِمَةُ مُسَافِرَيْنِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ إلَخْ) يَعْنِي إنَّمَا يَنْتَقِلُ وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّعْيِينِ وَلَا تَعْيِينَ إلَى الْمُسَافِرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِقَالِ وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِفَقْرِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْتَقِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ الْفِدْيَةُ عَنْهُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ جَازَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهَذَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فِيهَا وَالْإِطْعَامِ فِي الْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا أَفْسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي نَفْسِ الْإِفْطَارِ هَلْ يُبَاحُ أَوْ لَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا إلَّا بِعُذْرٍ وَرِوَايَةُ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ بِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ لِلضِّيَافَةِ عُذْرٌ أَوْ لَا قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقُ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجُهُ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>